السيد محمود الموسوي " أنا أختلف مع من أراد أن يثبت جدوائية التفسير الموضوعي على حساب التفسير السياقي او الموضعي"

أجرت الحوار:أحلام عبد الرحيم: تاروت*

السيد محمود الموسوي، الكاتب والباحث الإسلامي، عضو هيئة التحرير في مجلة البصائر الفصلية؛ الصادرة عن حوزة الإمام القائم (عج) العلمية، بدمشق وحوار حول منهج التفسير الموضوعي للقران الكريم

.

وتناول فيه اهم موضوعاته, وحقائقه وأصوله

سماحة السيد ماذا يعني بالتفسير الموضوعي للقران الكريم ومتى نشأ كعلم ؟ وهل هناك ثمة شروط لمن يريد ان يسبر هذا المنهج؟ او يكتفى بالشروط العامة بالمفسر؟

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف خلق الله النبي محمد وآله الطيبين الطاهرين.

في البدء أشكر لكم جهودكم وأسأل الله لكم التوفيق والسداد..

عندما يطلق تعبير التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، فإننا نقف أمام معنين يتقاربان في بعض السمات ويفترقان في بعضها الآخر:

yyyالمعنى الأول: هو التفسير الذي يبحث في موضوع السورة الكاملة أو موضوع مجموعة من الآيات المتتاليات، باعتبار أن السور القرآنية لها وحدة موضوعية واحدة وإن تشعبت في معالجاتها للموضوعات الجزئية المختلفة، إلا أنها في المحصلة تعالج موضوعاً محدداً، وقد أطلق البعض على تلك الوحدة الموضوعية للسورة بـ (الإطار العام) للسورة كما هو في تفسير من هدى القرآن للسيد محمد تقي المدرسي، كما أطلق عليها (شخصية السورة) كما في تفسير (نحو تفسير موضوعي لسور القرآن) للغزالي.

وهذا المعنى للتفسير الموضوعي إنما نظر للموضوع باعتباره محوراً للسورة الواحدة أو للمجموعة من الآيات، وقد يطلق عليه بالتفسير الشمولي، أو التفسير البياني.

المعنى الثاني: هو التفسير الذي يبحث عن موضوع واحد ومعيّن في كافة آيات القرآن الكريم، فيستنبط رأي القرآن المتكامل في ذلك الموضوع من كافة جوانبه، فيتناول على سبيل المثال موضوع (التوازن) ومنهج القرآن في ذلك، فيستفيد من آيات مثل (وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ) كدلالة على التوازن في عطاء الأرض ومقدار حاجة الإنسان منها، لذلك يأمر الله الناس بأن (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) في معاملاتهم التجارية، تطبيقاً للتوازن، وكما في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً)، وماشابهها من الآيات التي تشير إلى منهج التوازن وأبعاده في القرآن الكريم.

وهذا المعنى الثاني هو المتبادر عادة من إطلاق إسم التفسير الموضوعي للقرآن الكريم.

أما النشأة للتفسير الموضوعي، فهو قد تطوّر في القرن العشرين الميلادي، وذلك عندما رأى العلماء أن هنالك حاجة ماسة لهذا النوع من التفسير، إلا أنهم لا يدّعون ابتداعه من عندياتهم، بل يرجعونه لأهل البيت (ع) من خلال ملاحظة استخدامات أهل البيت (ع) في الجمع بين الآيات من سور مختلفة في موضوع واحد أو مكمّل له، ولكنه تطوّر وأصبح منهجاً .. لذلك فإن الشروط التي ينبغي أن تتوفر في المفسر المزاول لهذا المنهج هي معرفته بأصول التفسير الصحيح من جهة، وإيمانه بجدوى هذه المنهجية من جهة أخرى.

ما العلاقة بين التفسير الموضوعي ، وتفسير القرآن بالقرآن ؟

يمكننا أن نقول بأن التفسير الموضوعي ليس مبايناً لتفسير القرآن بالقرآن، وإنما يمكن ان نصف العلاقة بينهما بعلاقة الجزء بالكل، فإن التفسير الموضوعي يحتاج إلى أدوات عدة في فهم النص القرآني، ومن هذه الأدوات أن يفهم الآيات القرآنية بالآيات القرآنية الأخرى، أي أن تفسير القرآن بالقرآن هي آلية لفهم النص القرآني الذي يؤسس للإستفادة من الآيات حسب سياقها أو حسب موضوعها كما هي في التفسير الموضوعي.

فإنني عندما أجمع آيات كثيرة في موضوع واحد، ينبغي أن يكون واضحاً لي تفسير تلك الآيات كل على حدة، فأحتاج إلى اللغة والرواية الصادرة عن أهل البيت (ع) وأحتاج إلى الآيات الأخرى التي توضح المعنى أو تصدقه حسب تعبير أهل البيت، فمن ه>ه الجهة يصبح تفسير القرآن بالقرآن جزاء من منهج التفسير الموضوعي.

أما إذا نظرنا لهما من حيث الغاية، فإن تفسير القرآن بالقرآن ستكون غايته طولية، أي أنه يحقق المعنى ويجلي أفقه وعمقه، أما المنهج الموضوعي فغايته عرضية، أي أنه يعالج مساحة واسعة وينظر للأفق الشمولي التكاملي في الموضوع.

وهل يفسر القران بعلم الموضوعات المطروحة ؟ ام تفسر الموضوعات بعلم القران ؟

إن كان المقصود بعلم الموضوعات تلك العلوم التي أنجزها الإنسان أو اكتشفها أو بلورها في صورتها الحديثة سواء فيما يختص بالطبيعة أو بالعلوم الأخرى أو بالعلوم الإجتماعية كالسياسة والاجتماع والاقتصاد، فهنا ينبغي أن نؤكد على حقيقة هامة ومفصلية في فهم موضعية القرآن الكريم من كل ذلك.

وهذه الحقيقة هي أن القرآن الكريم هو الميزان وهو الفرقان بين الحق والباطل بين الصدق والكذب بين الحقيقة والوهم، لأن القرآن الكريم بصائر وهدى كما قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)، وتأسيساً على هذه الحقيقة نعي أن القرآن هو الذي يعرفنا ماهية الموضوعات من خلال تعريف مقاصدها ومآلاتها ونتائجها.

فلا يمكن أن نفسّر آيات القرآن الكريم، من خلال الكشوفات الحديثة مثلاً، وأكثرها ناشئة من علوم تجريبية قد يطرأ عليها التغيير والتدبّل بعد حين.. نعم قد نستفيد من الحقائق الكونية الثابتة أو بعض الكشوفات الحديثة في تقريب المعنى أو في فهم معنى جديد لا تكون هذ الكشوفات هي المفسرة له، وإنما هي الباعث على الفهم من خلال اتباع الطرق السليمة في فهم النص القرآني بحيث لا يناقض بعضه بعضاً.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن هنالك إرجاعات من القرآن الكريم نفسه إلى الطبيعة مثلاً، أو إلى الواقع، لكي نفهم بعض الآيات وبعض مضامين الآيات، فهو يرجعنا للشمس وحركتها وحركة القمر والجبال ، وبعض الدواب ودورة المطر أو ما يتعرض له الإنسان من الإنفعالات العرفية وماشابه ذلك، كل ذلك لكي تعطينا تلك الحقائق الثابتة تصوراً واضحاً لما يريده القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: (فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) فإن الإشارة إلى التصعّد في السماء، يجعلنا نستوعب حالة الضيق والحرج التي تصيب غير المهتدين، فهو في السماء لا يحصل على قدرة في التنفس ولا يستطيع التحكم بنفسه، بخلاف من يشرح صدره للإسلام.

فهذه الإرجاعات ليست من باب تفسير القرآن بالموضوعات الخارجية، وإنما من باب تقريب المعنى ومن باب إحكام المتشابه القرآني بالمحكم الواقعي، ولا تكون الإرجاعات إلا للواقع الثابت المتسالم عليه بين كافة البشر.

ونود أن نشير هنا فيما يتعلق بالقرآن والموضوعات الخارجية في التفسير الموضوعي، إن اختيار الموضوع في المنهجية الموضوعية قد يتم من خلال اختياره من داخل النص القرآني كأن يبحث موضوع (الإسراف) أو (الشرك) أو (الزوجية) فيستحضر بقية الآيات لتكوين رؤية فيها، وأحياناً يتم اختيار الموضوع المراد بحثه من خارج النص القرآني، كأن يختار موضوع (التفكك الأسري) أو (سقوط الحضارات) أو (إدارة الإختلافات) فيلجأ للآيات التي تتصل بهذا الموضوع من جهاته المختلفة ليخرج برؤية قرآنية فيه.

أنفرد منهج التفسير الموضوعي بانه يحل الكثير من مشاكل العصر اتمنى لو تذكر لنا مثال على ذلك؟ وهل التفاسير الاخرى قصرت في هذا الجانب؟

إن لكل منهج فوائده، وبالفعل فإن التفسير الموضوعي دوره الأساس هو إعطاء رؤية شمولية حول موضوع واحد، وهو بمثابة تكوين نظرية حول شيء ما، ولأن العالم اليوم فيه تشعبات كثيرة تحتاج إلى معالجات بلغتها لكي تصل للآخر، كما ان الكثير ممن يريد الإطلاع على الفكر الإسلامي والنظرة الإسلامية لمشاكل الأمة اليوم، لا يرتبطون بالقرآن الكريم كما يرتبط به الذين يؤمنون به بل الذين يلتزمون بقراءته ومراجعته بشكل دائم، فهذه فائدة واقعية تمكن الآخر الإطلاع على الرؤية الشاملة لقضية ما.

فمثلاً لو سألنا كيف يعالج القرآن الكريم مشكلة الإضطراب وفقدان الأمن؟ نجد أن هنالك آيات عديدة تتحدث عن الأمن بأنواعه المختلفة وبمستوياته العديدة، فهنالك أمن نفسي وأمن اجتماعي وأمن سياسي وأمن إقتصادي، ونجد كل جانب من تلك الجوانب في آية في سورة مختلفة، ثم أن هنالك بعض القوانين العامة التي تحكم مسار الأمن.. ومثال آخر على المضوعات المعاصرة، مثل رؤية القرآن للحكم العادل، فيمكن تظهير مواصفات الحاكم العادل والحكم العدل، وتبين أدوات ذلك وساحاته التطبيقية وما شابه ذلك.

ولكن لا ننفي في الوقت ذاته أثر المناهج التفسيرية الأخرى في وضع حلول لمشاكل العصر، فكل يؤدي دوراً بطريقة ما، فقد يحتاج الإنسان إلى أن يعيش السياق القرآني لكي يستشعر المضامين أكثر، وقد يحتاج إلى الرواية لكي تكشف له بعض الآفاق العقيدية أو ماشابه ذلك.. وأنا هنا أختلف مع من أراد أن يثبت جدوائية التفسير الموضوعي على حساب التفسير السياقي أو الموضعي والطعن في فائدته، يبقى أن للترتيب أثره النفسي والمعرفي، فلم يرتبه الرسول (ص) اعتباطاً، ولم يجعل لكل سورة شخصيتها عبثاً.

وما الفرق بين التفسير الموضعي (التجزيئي)والموضوعي سماحة السيد؟وهل هناك حالة من الصعوبة بينهما وأيهما يسبق الاخر؟

التفسير الموضوعي كما ذكرنا أنه يتناول موضوعا واحداً باستنطاق تسلسل ورودها في القرآن الكريم.جميع آيات القرآن الكريم المرتبطة بذلك الموضوع، أما الموضعي أو التجزيئي فهو التفسير الذي يفسر الآيات حسب

ولاشك أن الأساس هو أن يحصل المفسر على المعنى الأولي الذي ينتج عن المنهج الموضعي للآيات، ثم يرتّب تلك الايات بحسب ما ترشّح له من معنى في قالب شمولي يكمل بعضه بعضاً، أي أننا عندما نريد أن نبلور رؤية شاملة لموضوع ما في القرآن الكريم، فإننا لا نغض الطرف عن معطيات المنهج الموضعي، باعتبار أن الآيات وترتيبها في المصحف الشريف لها إيحاءاتها ومدخليتها في المعنى.

لذلك فإن هذا الترتيب قد جاء لحكمة، حيث كان الرسول الأعظم (ص) يوصي الأصحاب بأن يضعوا السورة التي تنزل في موضع معين من سورة من السور، حتى اكتمل بهذا الشكل، ونجد أن هنالك خصائص للسور القرآنية باعتبارها وحدة واحدة أيضاً، فيوجد السور القصار والسور الوسط والسور الطوال، وكل سورة لها إسمها ومعالمها، فبكل تأكيد أن التفسير الموضعي لا غنى عنه، خصوصاً مع ملاحظة المعطيات السياقية التي جاءت فيها الآيات، سواء كانت تلك المعطيات مباشر أو غير مباشرة.

فالذي يسبق هو التفسير الموضعي، أما فيما يختص بالصعوبات، فلا شك أن لكل منهج متطلباته، وبما أن المنهج الموضوعي هو حالة متقدمة على الموضعي من حيث الإستفادة فهو يحتاج إلى جهد أكثر، فهو يحتاج إلى عملية استقراء الآيات التي تتحدث في الموضوع الواحد مع ملاحظة أمر مهم، وهو أن الآيات وارتباطها بالموضوع يكون على نحوين:

الأول: النحو المباشر، أي ترتبط الآيات بالموضوع مباشرة عبر (اللفظ) أو عبر (المعنى).

الثاني: النحو غير المباشر، كأن ترتبط الآية بالموضوع عن طريق التلازم أو الدوافع أو الأسباب والمسببات أو غير ذلك.

مع ملاحظة هذا الجانب، فإن الباحث يحتاج إلى آليات البحث التي تمكنه من إستيفاء بحثه.

ما هي أبرز التفاسير التي أهتمت بهذا الجانب , هل يوجد تفسير كامل التزم منهجية التفسير الموضوعي ؟

بالنظر لماهية التفسير المضوعي الذي يبحث موضوعات كثيرة في كل القرآن، فإن من الصعب أن يتكون تفسير شامل لجميع السور القرآنية، باعتبار أن أصل المنهجية هي أن لا يبنى على تسلسل الآيات كما هي في القرآن الكريم، وإنما تسلسله إن كان له تسلسل فهو موضوعي، لذلك فإن هنالك أطروحات كثيرة اتخذت المنهج الموضوعي لتعطي رؤية في موضوع معين، ويصدر ذلك عادة في كتاب وعادة لا يسمى تفسيراً، مع أنه يحمل خصائص التفسير الموضوعي، كأن تجد كتاباً بمسمى (حركة التاريخ في القرآن الكريم) أو (قانون الزوجية في القرآن الكريم) أو كتاباً يبحث (أدعية القرآن الكريم) وما شابه ذلك من الكتب.

وإننا نجد أن هنالك بعض التفاسير الموضعية تلجأ أحياناً للتوقف عند آية وتبحثها موضوعياً من خلال استحضار مجموعة من الآيات الأخرى في نفس الموضوع لكي يصل المفسر إلى المعنى الواضح، ولكن نجد هذه الحالة بنسب متفاوتة وبسيطة.

علم التفسير الموضوعي كما ذكر "السيد الموسوي" يقوم باستنطاق تسلسلي في.جميع آيات القرآن الكريم المرتبطة بالموضوعات المطروحة ,واعطاء رؤية شمولية لمعالجة مشاكل العصر وايضا لا غنى للمفسر عن البعد الاخر في عملية الاستقراء عن طريق البحث الموضعي و أننا عندما نريد أن نبلور رؤية شاملة لموضوع ما في القرآن الكريم، فإننا لا نغض الطرف عن معطيات المنهج الموضعي، باعتبار أن الآيات وترتيبها في المصحف الشريف لها إيحاءاتها ومدخليتها في المعنى.

ــــــــــ

* كاتبة من المملكة العربية السعودية ـ تاروت

نشر الحوار في شبكة التوافق الأخبارية على شبكة الإنترنت ـ ونشرة قرآنية بالسعودية.

من مؤلفاتنا