حوار مع السيد محمود الموسوي حول الحراك الجماهيري

 أجرت مجلة البصائر الدراساتية حوارا مع السيد محمود الموسوي بمعية مجموعة من العلماء والباحثين، تحت عنوان (الحراك الجماهيري، قراءة في مستقبل الإصلاح والتغيير في الأمة).

.

الحراك الجماهيري

قراءة في مستقبل الإصلاح والتغيير في الأمة

مجلة البصائر الدراساتية

العدد 49

http://albasaer.org 

كلمة المنتدى

تواكب الأمة الإسلامية اليوم هبوب رياح التغيير والإصلاح السياسي والاجتماعي، تلك الرياح التي بدأت دوامتها من (سيدي بو عزيز) في تونس، فما لبثت أن اجتاحت مصر، ووصلت إلى ليبيا والبحرين واليمن والأردن، وقد آتت بعض ثمارها في مناطق مثل تونس ومصر، ولا زالت تصارع من أجل النجاح في مناطق أخرى.

والمثقف -الديني وغير الديني- يرى نفسه إزاء هذه التغيُّرات أمام مسؤولية عظيمة تتطلب منه البوح لا الصمت، والفعل لا السكون، والموقف لا التفرّج، وأن يُغني هذه المسيرة بفكره: قراءةً واستلهامًا وتوجيهًا ومشاركةً فاعلةً دينامية، ويرى نفسه أمام لحظة تاريخية هامة، وحدثًا مصيريًّا رائدًا، ربّما لم تشهده الأمة منذ قرون في حياتها السياسية والاجتماعية أو في اجتماعها السياسي، فهو يشهد قيام حركة شعبية تغييرية استفاقت لتطيح بالكثير من العروش التي عُبّر عنها بـ(الراسخة)، و(المستقرة)، وتسعى لرسم خارطة جديدة في القيم والفكر والفعل معًا، والإسهام في عملية التنظير والتطبيق على حدّ سواء، في مشهد يحكي سأمها من تلك الدساتير الباردة التي قضت على الأمة بالسكون والخدر والتخلف، ويحكي سأمها من تلك التطبيقات الديكتاتورية التي كمَّمت حرية الفكر وحرية التعبير وحرية الفعل.

وهكذا استفاقت في الأمة حركة إصلاحية تغييرية يُجمع المحللون على أنّها تميّزت بسمات منها:

- التحرك الشعبي الجماهيري بدلًا من النخبوي والفئوي.

- سيادة الطابع الشبابي، والتحلي بمواصفات التغيير الناجح، بدءًا من الإصرار على الوصول إلى الهدف، ومرورًا بامتلاك الرؤية والحكمة والشجاعة والسلم، وانتهاء بالمشاركة في تشكيل المنظومة القيمية والمعرفية للدستور الجديد، والمساهمة الفعلية في قيادة دفة السياسة والحكم.

ومن ثم آثرنا -في مجلة البصائر-، ونحن نعيش هذه الأحداث العظيمة المفصلية التي تمرّ بها الأمة ألَّا نفوّت هذه الأحداث دون القيام بقراءة واعية مركزة لها، تسعى لتلمس مكامن القوة، ومعرفة مناطق الضعف؛ لتكريس أولاها في جسد الأمة، وتلافي ثانيها.

وسعينا من أجل الوصول إلى هذه القراءة المعمقة للواقع، واستشراف المستقبل، أن نقدّم مجموعة من الأسئلة لنخبة من الأعلام والمطلعين؛ ليسهموا في عملية العطاء المعرفي والترشيد العملي لهذه النهضة الفريدة الواعدة، علّ الله يكحّل عين أمتنا برؤية ثمارها يانعة.

المشاركون:

سماحة الشيخ إبراهيم الميلاد:

عالم دين، باحث في الشأن الإسلامي، أستاذ الدراسات العليا في الحوزة العلمية، من شرق السعودية. نشر في مجلتي البصائر، والقرآن نور، العديد من البحوث والدراسات الفكرية. من أعماله المخطوطة: نحن والغرب: رؤى ومواقف.

- سماحة السيد حسن النمر:

عالم دين، باحث في الشأن الإسلامي، ناشط على المستوى الثقافي والاجتماعي في شرق السعودية، نشرت له في عدة مجلات محلية وخارجية العديد من البحوث والدراسات. من أعماله المنشورة: تعريب عن الفارسية كتاب: التعليم والتربية في نهج البلاغة.

- سماحة الشيخ حسين المصطفى:

عالم دين، باحث في الشأن الإسلامي، أستاذ الدراسات العليا في الحوزة العلمية. ساهم في تأسيس جملة من المناشط الاجتماعية والثقافية في شرق السعودية، كما شارك في تأسيس الموسوعة الإسلامية الكمبيوترية بمدينة قم المقدسة، من أعماله المنشورة: أدبيات التعايش بين المذاهب.

- الدكتورة خديجة المحميد:

باحثة في الفكر الإسلامي، وناشطة سياسية في حقوق الأسرة والمرأة، رئيسة لجنة إنصاف المواطنة الكويتية، كاتبة مقال أسبوعي في جريدة الأنباء الكويتية. من أعمالها المنشورة: موقع المرأة في النظام السياسي الإسلامي (رسالة دكتوراه).

- سماحة الشيخ زكريا داوود:

عالم دين، باحث في الشأن الإسلامي، عضو الهيئة الاستشارية في مجلة البصائر ورئيس تحرير سابق. نشر له في عدة مجلات وصحف العديد من البحوث والدراسات الفك

 

الأسئلة المقدمة لسماحة السيد محمود الموسوي (البحرين).

-سماحة السيد محمود الموسوي:

عالم دين، باحث في الشأن الإسلامي، مدير ممثلية المرجع المدرسي في البحرين. عضو هيئة التحرير في مجلة البصائر، نشر له العديد من البحوث والدراسات الفكرية. من أعماله المنشورة: العولمة والمجتمع.. التحديات الجديدة وبرنامج المهام.

المحاور:

قراءة في واقع الأمة

منتدى البصائر: بدءًا.. تشهد الساحة العربية والإسلامية حراكًا جماهيريًّا يطالب بالتغيير على المستوى السياسي، وهذا الحراك ربما يعبر عنه بالاحتقان الداخلي، والنتائج التي حققها هذا الحراك هي الإطاحة بنظامي -تونس ومصر- اللذين جثما على صدر الأمة عقودًا من الزمن، لم تشهد الساحة العربية والإسلامية خلالها إلا الظلم والاستبداد والتقهقر. السؤال هو: كيف تقرؤون هذا الحراك المطالب بالتغيير من حيث دلالات شموليته للعالم العربي والإسلامي، ومن حيث تأثير العامل الدولي، وما هي نتائجه المستقبلية؟.

السيد الموسوي:

بعد أن مر العالم العربي بحقبة سبات عميقة انشلَّ فيها الحراك السياسي الحقيقي المؤدي إلى التغيير والتطوير في الأنظمة والوجوه والسياسات، فقد استفاق على صبح مشرق أشعل فيه روحًا جديدة قد دفعت إلى خلق وعي جديد، يؤسس واقعًا متفوقًا على واقع السبات والنكوص والتقهقر. في هذه اللحظة التاريخية الهامّة اكتشفت المجتمعات العربية أن بداخلها قد انطوى العالم الأكبر، القادر على إحداث تغيير نوعي في حياته وفي اهتماماته وواقعه السياسي.

الشعوب كما تؤثر فيها تجارب الفشل والهزائم سلبًا، فإن تأثير النجاحات والانتصارات سيولد شعورًا إيجابيًّا يبعث على الأمل. وتلك الطفرة الإيجابية التي حصلت لا يمكن أن ننسبها إلى الآخر المتمثل في الغرب، فهذا بخس لقدرات الإنسان من حيث هو إنسان قد خلقه الله تعالى بقدرات متساوية، ومن أهم دلائل أن هذه الطفرة هي طفرة داخلية بشكل كبير، أن الثورات والتحركات والمطالبات انتقلت من بلد إلى آخر بسرعة لا يمكن للغرب أن يديرها أجمعها في آن واحد، بل وإننا نجد أن التحركات قد انتقلت إلى مناطق لا يرغب الغرب في حصول تغيير جذري فيها، مما يتسبب في ضعفها في تلك المناطق الحليفة، سواء كان أصل التغيير ليس في صالحها أو سعة التغيير ونوعه ومداه.

ولكننا لا يمكن أن نتجاهل الاستفادة من الواقع الدولي في التشجيع على التقدّم وتحقيق مكاسب لصالح الشعوب، باعتبار أن التجارب الغربية متقدمة بشكل كبير وملحوظ على التجارب العربية المتسلطة، وكذلك الاستفادة من القوانين والمنظمات الحقوقية لممارسة الضغط على الدكتاتوريات التي تحاول أن تُخفي جرائمها عن المجتمع الدولي.

ومن دون أدنى شك، إن القوى الغربية تحاول التدخل في الشؤون العربية في واقع الرخاء، وهي في واقع الشدة وعند لحظات التحولات المحتملة أكثر اهتمامًا للتأثير في مسارات الجهود لكي تكون في صالحها. ولكن ليس كل ما يتمنى الغرب يدركه، لذلك نجد التخبط في المواقف، وكيف أن الشعوب أرغمت القوى الدولية على مجاراة إرادة الأمة في مطالبها عندما تكون الأمة قوية وثابتة على مطالبها بشكل واضح.

أما فيما يتعلق بالتأثير المستقبلي والنتائج التي من الممكن أن يتحصل عليها المجتمع العربي بسبب هذه الثورات، فإنه من دون أدنى شك ستساهم في إنضاج التجربة في الحكم لتتطور لتكون تجربة في صالح الإنسان وفي دعم التنمية الحقيقية الخارجة عن دائرة التبعية والاعتماد على الآخر، عندها يمكن أن نستبشر بمستقبل يساهم أبناء الوطن في بناء هويتهم واستقلاليتهم التي تؤهلهم للدخول إلى ميدان تجاذب الحضارات وتنافسها وتكاملها.

ومن جهة أخرى فإن الحاضر المعبّر عن روح الكرامة والإباء وتحدي سياسات الظلم والطغيان، سيكون هو التاريخ الذي يستمد منه الإنسانُ العزيمةَ في المستقبل، باعتباره تجربة إيجابية حتى لو لم تتحقق كل طموحاته وآماله.

من أجواء الحراك

منتدى البصائر: الوصول إلى الغاية لا يتم من دون وسائل موصِلة، ويدور حاليًّا حوار ساخن حول أساليب العمل التغييري على الساحة الإسلامية، فهناك من يطرح الأسلوب الصدامي (الأنموذج الليبي)، وهناك من يتبنى أساليب سلمية قوامها المظاهرات، وربما ترقت إلى العصيان المدني (الأنموذج التونسي والمصري). ومن جهة أخرى نجد أن المشهد السياسي يكشف عن حضور العامل الدولي في حراك المجتمعات، فما هي الوسائل الملائمة للإصلاح في الأمة؟.

السيد الموسوي:

إن مناقشة الخيارات الآلية في العمل السياسي يمكن النظر إليه من جهتين:

الجهة الأولى: المشروعية، وهذه الجهة ستغلّب العمل السلمي والمدني على العسكري والصدامي؛ لأن العمل العسكري له شروطه الإضافية وله محاذيره المختلفة، أما العمل السلمي فإن مساحة إباحته ورجحانه أوسع. ولا يعنينا الدخول في الجدل الفقهي والقانوني، لأنه سيرتبط بالظروف الموضوعية المتغيرة من مكان إلى آخر.

الجهة الثانية: وهي الجهة التي ينبغي تسليط الضوء عليها، هي جهة التأثير وسعته وشموليته، ففي هذه الجهة نرى أن خيار الصدام والعسكرة لن يكون متاحًا للجميع المشاركة في عملية التغيير، إنما هو منحصر في فئة معينة هي التي تمتلك القدرات، ومن جهة أخرى فإن الخيار العسكري لا يمكن أن يستمر إلا إذا كانت له جهة ترفده بالآليات أو أن يكون هو ذاته صاحب إمكانات هائلة، وهذا ما تفتقر إليه المجتمعات العربية، لأن الوضع السياسي المتأزم أفرز مشكلة الفقر وتدني المعيشة في تلك المجتمعات بشكل عام.

أما العمل السلمي بأدواته المختلفة ومنها العصيان المدني والإضرابات والمسيرات الاحتجاجية والاعتصامات طويلة المدة، فإن بإمكان كل أفراد الشعب بكل فئاته العمرية، أن يساهم فيه ويقدم فيه مجهودًا، إلا أن الأسلوب السلمي في الإصلاح والتغيير يحتاج إلى عامل مهم يلازمه، وهو العامل الإعلامي، فإن الآلة الإعلامية هي المغذي الحقيقي والمهم للعمل السلمي، ومن دونه فالفائدة لا ترتجى بشكل جدي، ولقد شهدنا عمليات استخدام الإعلام الموجه والموصل إلى الجهات المعنية لكي تكون تلك الجهات هي عامل ضغط وعامل مؤثر في عملية التغيير، ومن هنا فإن الرؤية تكون واضحة بالنسبة للعامل الدولي المؤثر إيجابًا في الحراك السياسي، فمادام الحراك سلميًّا فإن بإمكانه أن يعبر عما يشاء، وبإمكانه أن يطالب بأي مطلب وفي الوقت سوف ذاته يحصل على مقدار واسع من التعاطف والمؤازرة من المنظمات الدولية لحفظ حقوقه المعترف بها دوليًّا، والتي تُنتهك في المحيط العربي بشكل سافر.

منتدى البصائر:

من معوقات الإصلاح وتكريس سبات الأمة مسألة الطاعة للحاكم. وظاهرًا هي مؤسسة على آية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾، وحينما نلتفت إلى أن الدين مؤسس على فلسفة الحق وثنائية الإيمان بالحق والكفر بالباطل.. تتولد جملة من الأسئلة، من هو ولي الأمر؟ ومن أين ينبع أساس حق الطاعة لولي الأمر؟ وأين تتموضع شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ وهل يعتبر الحاكم رمز الدولة والأمة فالخروج عليه خروج على الأمة والوطن؟.

السيد الموسوي:

إن الأنظمة العربية الاستبدادية تغذّي حالة التحريف الفكري الذي يكون في صالحها، ومن واقع الأمة اليوم يمكننا أن نفهم كيف تمت عملية التحريف التاريخية في العصور المتقدمة، كعصر بني أمية وبني العباس، فإن فكرة طاعة الحاكم هي راجعة إلى انحراف فكري بالأساس من خلال عمليات التحريف التي تعرّضت لها الأمة في كيفية قراءة نصوصها ودساتيرها.

الفهم المجزوء والمقطوع لنصوص القرآن الكريم والابتعاد عن منهج أهل البيت (عليهم السلام) في فهم الدين وفي فهم كتاب الله تعالى، نتج عنه تحريف مصطلح أولي الأمر، من الولي الذي يستمد شرعيته من الله تعالى ومن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو يمثل امتداداً حقيقيًّا ومطابقاً للرسالة، يتم تحريفه إلى معنى الحاكم المتربّع على الكرسي أينما كان وأيًّا كان.

وهذا التحريف يقصد به بقاء حكم الحاكم الجائر والمستبد على كرسيه دون أن يتعرض لمحاسبة من أحد، ودون أن يكون لأحد حق المطالبة بتغييره، أو المطالبة بالأفضل.

إننا نجد أن الآية التي تعالج هذه الإشكالية وتفك الالتباس، إن كان هناك ثمة التباس، هي الآية رقم 44 من سورة المائدة التي يقول الله تعالى فيها: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾.

فكلمة ﴿بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء﴾ هي المرجع الأساس في معرفة الولي وفي تزكيته، فلابد أن يكون الحاكم واعيًا عالمًا بمضامين الكتاب وبالقيم التي جاء بها كتاب الله من التزام الحق وتحقيق العدالة والمساواة، والقيام بالقسط، وإشاعة الأمن والسلام، وغيرها من قيم الحكم. والصفة الثانية هي أن يكون ممارسًا ومطبقًا لتلك القيم على أرض الواقع، وإلا فإنه يكون خارجًا عن دائرة الحاكم العادل، وبالتالي فإن الحديث لابد أن يكون عن ضرورة تغييره لا عن إباحة وعدم إباحة الخروج عليه.

فعندما يصل التحريف إلى هذا الحد فإن كل شيء يتلخص في الحاكم، فحب الوطن وحب المواطن كله يرجع إلى مدى الخضوع لهذا الحاكم. وعندما يتحرر العقل ويلتزم القراءة المتسوعبة والشمولية لكتاب الله العزيز، فإن المفاهيم تكون صالحة في عقله، ويتحرر من عبودية الحاكم إلى عبودية الله تعالى، ولهذا نادى الإمام الحسين (عليه السلام) القوم في كربلاء بنداء التحرر من عبودية الإنسان حينما قال لهم: «وَيْحَكُمْ يَا شِيعَةَ آلِ أَبِي سُفْيَانَ! إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دِينٌ وَكُنْتُمْ لَا تَخَافُونَ الْمَعَادَ فَكُونُوا أَحْرَارًا فِي دُنْيَاكُمْ..».

منتدى البصائر:

نجاح النموذج الإصلاحي السياسي في بلد ما.. يشجع تكراره في بلد آخر، هذا ما شهدناه في انتقال حراك الإصلاح من تونس إلى مصر، ومنهما إلى البحرين واليمن وليبيا، فما هي مشجِّعات الانتقال؟ وما هي عوامل نجاحه؟ وهل تشكل الذريعة التقليدية -وجود (خصوصيات) اجتماعية تميز مجتمعًا عن آخر- سدودًا فعليةً؟.

السيد الموسوي:

إن للنموذج دورًا كبيرًا في حركة الإنسان وفاعليته، لهذا نجد أن القرآن الكريم يسوق لنا نماذج تاريخية عبارة عن تجارب توضح لنا إمكانات الإنسان وقدراته وطاقاته الكامنة والقادرة على التغيير وتحقيق النجاحات الفعلية، كما جاء في القرآن الكريم ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾.

فإن النموذج القرآني لا يقتصر على حركة الأنبياء وحسب، بل يشمل الذين اتبعوا الأنبياء من غير المعصومين، ليجد الإنسان أنه مؤهل للقيام بدور رائد وكبير في حياته، وهو قادر على التغيير إذا اتبع الشروط وعرف مدى طاقاته.

وتكون التجارب مؤثرة من عدة جوانب، وكلها ذكرها القرآن الكريم ونوَّه لها، ومنها:

1- تجارب الأنبياء والرسل عبر الاقتداء والتأسي ومحاولة الاقتراب من المثال المقدّس على نهج «وَإِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ وَعِفَّةٍ وَسَدَادٍ». كما قال الإمام علي (عليه السلام).

2- تجارب الأتباع المخلصين، وهنا يكون المثال أقرب حيث يبين إمكان التغيير من غير المعصوم.

3- التجارب التاريخية والمعاصرة، من خلال ملاحظتها، والاستفادة منها، كما أشار القرآن الكريم إلى حرب الروم والفرس في سورة الروم، وكما أشير إلى انهزام جيش إبرهة الحبشي في سورة الفيل، وغير ذلك مما يقرّب الإنسان للتجربة القريبة وقراءتها والاستفادة الإيجابية منها.

والتجارب الإنسانية لا تتوقف، فإن الأيام يداولها رب الناس بين الناس، وكلما قرأ الإنسان التجربة قراءة معتبر، اكتشف منها تلك الروح التي تغذيه وتحفزه للمحاكاة.

إن ما قيل: إن التجارب العربية لا يمكنها أن تتكرّر أو إنها لا تصلح أن تتكرّر في قطر آخر، بذريعة خصوصية كل بلد عربي عن الآخر، هو قول سطحي ينظر للعادات المتنوعة للشعوب على أنها ثقافة راسخة، ومع تثبيت أن التنوع بين الشعوب في السلوكيات والأعراف هو أمر واقع، ولكنه ليس عائقًا عن الاستفادة وعن انتقال التجربة من بلد عربي إلى آخر، لأن ما ينتقل هي روح القيم، قيم التغيير وقيم القدرة، تلك القيم التي تصوغ المفاهيم من جديد لتترجم إلى سلوك وواقع عملي، ومن يعي القيم ويصوغ مفاهيمه على أساسها، فهو الحكيم الذي يطبق مفاهيمه بما يتناسب وواقعه، فلا يستنسخ التجربة بحذافيرها، لهذا جاء في الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) أن الحكمة أن تضع الشيء في موضعه، ولذلك جاءت الوصايا منهم (عليهم السلام): خذ الحكمة ولو من فم كافر، وخذ الحكمة ولو من فم منافق. فبعيدًا عن الخصوصيات السطحية يمكن لمن يجد الحكمة أن يستلهمها ليستفيد منها في واقعه. وقد قال تعالى: ﴿يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ﴾

إن الإشكالية المعرفية التي وقع فيها مثقفو العرب هي أنهم سوّقوا إلى مفاهيم خاطئة، ومنها: أن (الثقافة) هي تلك الأعراف والسلوكيات التي يلتزم بها المجتمع، ومنها تلك الخصوصيات السطحية التي تحاكي الواقع القائم، والتي تطبعت ونشأت الشعوب عليها، ومنها طريقة التعامل والنظر للحاكم وكأنه رب يُعبد، لهذا نجد أن بعض المنتسبين للفكر المدعين للاستنارة والتحرر، يطأطئون رؤوسهم ويسبحون بحمد الطواغيت، مناقضين كل القيم التي يدعون لها، كل ذلك باسم الثقافة، فهذا التحريف يمكنه أن يقود إلى مقولة: خصوصيات المجتمعات تمنع من انتقال التجارب الإصلاحية.

الإعلام القوة الجديدة

منتدى البصائر:

وسائل الاتصال (كالأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي) من أبرز آثار العولمة، وكان لها دورٌ كبيرٌ في ثورة مصر، إلى الحد الذي دفع البعض إلى تسمية الثورة بـ(الثورة الإلكترونية)، وتسمية شبابها بـ(جيل الحرب الإلكترونية)، في مقابل جيل قديم لا خبرة له بوسائل الاتصال، مارس (الحرب التقليدية)، واصطُلِح على تسميته بـ(جيل الحرب التقليدية)، ومن جهة أخرى كان للفضائيات دورٌ أساسٌ في خلق التعاطف والتأييد الخارجي ومنع الحكومات من الاستفراد بشعوبها وقمعها. السؤال هو: كيف تقرؤون دور شبكات التواصل والإعلام فيما شهده ويشهده العالم العربي والإسلامي؟.

السيد الموسوي:

من أكبر التحديات التي تواجه الحركات الإصلاحية والتغييرية هي مقدرتها على إيصال صوتها إلى أكبر شريحة ممكنة، لذلك نجد سرعة التأثير في المتلقي بالإضافة إلى قوة الفكرة، هو حضورها الجماهيري وطريقة حضورها، فكان للتطور في إيصال الفكرة وسرعتها دور بارز في التأثير بدءاً من نقل الفكرة عبر مكبرات الصوت والمذياع والكاسيت، إلى ظهور التلفاز ومن ثم الحاسوب وصولاً إلى شبكات الإنترنت التي أحدثت طفرة نوعية واسعة. وما أضاف في سرعة التأثير على شبكات الإنترنت هي مواقع التواصل الاجتماعي التي أضافت بُعداً مهمًّا في وسيلة التأثير، وهو البعد التفاعلي، الذي يمكن للشخص فيه أن يتفاعل مع الفكرة ويحشد لها بأبسط الأساليب ودون الحاجة إلى قاعات اجتماع.

نجد أن بعض المفكرين قد قلل من شأن شبكات الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي في الثورات العربية، مقابل من أفرط في إعطائها الدور الأول والأوحد، إلا أننا نجد أن دورها الكبير لا يمكن أن يُغفل، حيث كانت أحد أبرز العوامل في نجاح التحريك؛ لأنها أضافت عوامل مهمة في إنجاح الحركة التغييرية، ومنها (السرعة) في التأثير وفي إيصال الفكرة والمعلومة، ومنها (سعة التأثير) على الشرائح المختلفة والمتباعدة، ومنها (التحفيز)، ومنها (المصداقية) من خلال نقل الوقائع على حقيقتها. وكل تلك العوامل من أهم ما تحتاجه الحركة التغييرية لتحقيق أهدافها. إلا أنها بلا شك لن تكون ذات فائدة ما لم يتصل ذلك بحراك واقعي وحقيقي على الأرض.

 لقراءة الحوار في منتدى البصائر مع جميع المشتركين في الحوار

 

sms10

 

 

من مؤلفاتنا