السيد محمود الموسوي في حواره مع قناديل كربلاء.. يطرح معادلة متوازنة

188522 389219834487686 1574284556 nالسيد محمود الموسوي في حواره مع قناديل كربلاء..

يطرح معادلة متوازنة:

من يرى الحياة كلها تحتاج إلى آلية المواجهة الحادة ومن يرى الحياة تتسم بالموادعة الدائمة كلاهما مخطئ:

.

تسنّى لـ(قناديل كربلاء) 1434هـ، طرح مجموعة من الأسئلة الحسينية على سماحة السيد محمود الموسوي (البحرين)، وتتمركز الأسئلة حول بعض القضايا الخلافية حول الفارق بين الحسنين (عليهما السلام)، وضرورة قراءة سيرة الإمام الحسين بشكل كلي لا مجتزأ وكيفية تلك القراءة، فإلى الحوار:

س/1: ثمة من يُرْجِع الفرق بين الحسنين -عليهما السلام- إلى طبيعة النظام المواجَه، وآخرون يرجعونه إلى طبيعة المجتمع المعاش وأمراضه، ما أسباب الاختلاف إن وجد بوجهة نظرك؟

لمعرفة حكمة اختيار المعصوم لنهجه الذي انتهجه في الحياة، علينا أولاً أن نعرف الخط العام للدين والخط العام لمسار أهل البيت (عليهم السلام)، وهو إقامة أمر الله تعالى وبناء المجتمع الصالح من خلال الإصلاح الذي يختلف نوعه من إمام إلى آخر، وبسبب عدم معرفة هذا التأسيس المهم فقد يشط البعض في فهم الفروق بين سيرة المعصومين، لذا قال البعض في التفريق بين الإمامين الحسنين (عليهما السلام) بأن الإمام الحسن (ع) ذو طبيعة باردة ونفسية مسالمة، ولذلك صالح معاوية، بحسب رأيهم. وقد أرجعوا سبب ثورة الإمام الحسين (ع) على حكم يزيد إلى أنه ذو دم حار ونفسية قوية، وهذا الاستنتاج انحراف وقدح في شخصيات أهل البيت (ع) لأنهم إنما يسلكون منهجهم المؤسس على أسس الدين لا على أسس شخصية وطبائع متغيرة.

يمكننا أن نعزو أمر الاختلاف في طبيعة النظام القائم ولكن دون معزل على الحال الاجتماعي، فإن نوع النظام بما له من أثر في المجتمع الإسلامي وبما له من أثر في حركة القيم في المجتمع، يدعو إلى وضع نوع خاص من الإستراتيجية لمواجهته، ويمكننا أن نعي ذلك من خلال كلمة الإمام الحسين (ع) بعد أن استشهد الإمام الحسن (ع) واجتمعت الشيعة في دار سليمان بن صرد بعد أن كتبوا إلى الإمام الحسين (ع) كتاباً بالتعزية، وذكروا في كتبهم أنهم يوالونه و يرضونه لهم خليفة و يشكون إليه شنآن معاوية، و يسألونه الكتاب إليهم برأيه. فكتب الحسين (عليه السلام) إليهم : "إني لأرجو أن يكون رأى أخي رحمه الله في الموادعة، ورأيي في جهاد الظلمة رشدا وسدادا، فالصقوا بالأرض ، وأخفوا الشخص، واكتموا الهوى، واحترسوا من الاظاء ما دام ابن هند حياً، فإن يحدث به حدث وأنا حي يأتكم رأيي إن شاء الله".

س/2: تُجتَزأ عادة سيرة الإمام الحسين ويعرض الفصل الأخير منها، ما أسباب ذلك؟ وكيف يمكن تفادي الطرح المُبتسَر المقطوع عن الجذور؟

كل قراءة تاريخية مقطوعة عن سياقها التاريخي لا شك أنها ستكون ذات معطيات لا تتطابق مع مقاصد الحدث، وبهذه الآلية المبتورة يمكن لأي قارئ أن يستفيد من المقطع الذي يلائم توجهاته الفكرية، ويتوافق مع خياراته السياسية، بعيداً عن الموضوعية، فيحاول تطويعه لتلك الخيارات التي يمضي فيها.

وهذا الأمر ينطبق على من يريد قراءة السيرة الحسينية، إلا أن هنالك ميزة مهمة في سيرة الإمام الحسين (ع)، فمن يركز على الفصل الأخير منها وهو فصل المعركة الكربلائية، سيجد أن مقولات الإمام الحسين (ع) ومواقفه في تلك المعركة، تشير إلى الجذور وتشير إلى سياق التاريخ، فهو يذكرهم بمقولات النبي (ص)، ويرجع أسباب تحركه ومقاصده إلى تلك الأسباب والمقاصد، ويستدل بالقرآن الكريم على مراداته الشريفة، كما كان يذكرهم بتاريخه الشخصي ومحورية شخصيته وأهميتها عند النبي (ع)، بل يذكرهم بأصل الولاية الإلهية، فإن دراسة الحدث الكربلائي يدعو الباحث إلى الرجوع إلى الوراء ليقرأ السيرة السابقة ثم يوصلها بالحدث.

ثم أن إهمال قراءة المسيرة الحسينية بشموليتها من شأنه أن يخفي على الباحث بعض الجوانب المضيئة والتي تصلح أن تدخل ضمن معركة الصراع الحضاري بشكل أفضل، فأنت عندما تتعرّف على سيرة العطاء عند الإمام الحسين (ع) فإنك ستعرف بعض مقاصده في نهضته وثورته، وعندما تتعرف على المحورية الدينية لشخصيته الشريفة، ستعي نوع المقاصد السياسية التي كان يرومها الإمام (ع).

يمكنننا تفادي القراءة المبتسرة بإيصال الحدث الكربلائي إلى جذوره التي أشار الإمام (ع) إلى كثير منها في خطابه، وإذا عرفنا أن سيرة الإمام الحسين (ع) بكاملها سيرة نورانية يمكنها أن تضيء لنا دروب الحياة فهذا حافز مهم يدعونا لاستيعاب القراءة التاريخية وعدم الاكتفاء بحدث واحد.

س/3: بعض من يحاول التأسي بالإمام الحسين يتسم تأسيه بالحدة والصدامية، هل يعدّ ذلك مؤشراً لأسلوب فهمنا لحركة الإمام الحسين؟ ومن ناحية أخرى هل مبدأ اللاعنف في الإسلام جسدي فقط أم يشمل العنف اللفظي؟ وكيف يتم التوفيق مع بعض الأحداث الصاخبة؟

إننا نرى أن من يرى الحياة كلها تحتاج إلى آلية المواجهة الحادة، هو تماماً كمن يرى أن الحياة تتسم بالموادعة الدائمة، فكلاهما مخطئ، فما دام أننا عرفنا أن أهل البيت (ع) كلهم نور واحد، فهذا يعني أن المـتأسي بالإمام الحسين (ع) هو أيضاً متأس بالإمام الحسن (ع) وبالإمام الرضا (ع)، وبالإمام الكاظم (ع) وسائر الأئمة (ع)، ولكن قراءته للواقع قد يمثلها بالواقع الذي كان يعيشه الإمام الحسين (ع) في خطه العام، أي أنه يرى أن الطاغوت تمادى إلى حد كبير حتى لم تكن هنالك قابلية للإصلاح، فينبغي استخدام أدوات الثورة الحسينية وخطابها الجماهيري. وهكذا إن تغيّر الظرف أو المكان فإن آلياته لابد أن تتغير وفقاً للمنهج العام لأهل البيت (ع).

تعقيب

"سيدنا، ماذا عن مبدأ اللاعنف في الإسلام هل هو جسدي فقط أم يشمل العنف اللفظي؟ وكيف يتم التوفيق مع أحداث صاخبة لفظياً: (وتقبل منك يا حمار، يا ابن راعية المعزى، .. )؟"

مبدأ اللاعنف هو أساس في التعامل مع الآخر، لأن الإسلام يدعو للحوار بالتي هي أحسن، كما في قول الله تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ). [النحل : 125]، إلا أن الصراع عندما يحتدم مع الظالمين والمعتدين فإنه لابد من التعاطي مع ذلك الواقع بأدواته الخاصة والشرعية، والكلام في ثنائية العنف واللاعنف في الإسلام تحتاج إلى معالجات من مداخل عديدة، بحيث لا يكتفى بأصل المقولة، لأن لكل حادث حديث ولكل واقع موقف، ولكن إن أردنا الحديث عن العنف المرفوض من قبل الدين فهو كل ما يحقق مقولة الإكراه، فإن القرآن الكريم أسس لقاعدة (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، سواء كان ما يؤدي إلى الإكراه هو الفعل والإجبار الجسدي على فعل شيء ما، أو ما يكون الإنسان مجبراً فيها بسبب الأجواء التي وضع فيها، وهو ما يسمّى بالإكراه الأجوائي، وهذا النوع من العنف إن كان يؤدي إلى إجبار الإنسان على موقف أو فعل دون اختيار منه فهو يندرج ضمن العنف المرفوض.

إلا أن المقولات التي ذكرت مثل (يابن راعية المعزى) وغيرها، فهي لا تناقش ضمن سياق العنف وعدمه، وإنما تناقش ضمن التوصيفات التي يستحقها الطرف الآخر أو لا يستحقها، لأن الهدف والغاية منها ليست إجبار أحد على في ما، وإنما هي توصيف إما يراد منه التعريف العام أو التعريف من أجل تذكير الطرف الآخر بنفسه، أو التعريف الذي يقلل من شأن الآخر، أو الذي يعلي شأنه، أو غير ذلك، ولمعرفة استحقاق هذه التوصيفات لابد من دراسة الظرف الموضوعي لها لمعرفة الغاية منها.

ولو أننا دققنا في مقولة الإمام الحسين (ع) عن شمر بن ذي الجوشن (كأني بابن راعية المعزى)، فإنه يذكّر بأصله الخبيث، ليحقق مقولة الرسول الأعظم (ص): لا يبغضك يا علي إلا من خبث أصله. فمن سيقدم على فعل كفعل شمر لعنه الله الذي حز رأس الإمام سلام الله عليه، لا شك ليس إنساناً سوياً، فالإمام يذكّر بهذه الحقيقة عبر إشارة إلى حادثة التي وقعت لأمه مع راعي الماعز، وهذا ليس تعييراً لمهنة كما قد يفهمها البعض، وإنما تذكير بتلك الحادثة لتحقيق حقيقة مهمة وهي خبث الأصل، وقد نقل الحادثة صاحب مستدرك الوسائل، بقوله: (إن امرأة الجوشن خرجت من جبانة السبيع إلى جبانة كندة، فعطشت في الطريق ولاقت راعياً يرعى الغنم، فطلبت منه الماء فأبى أن يعطيها الإّ بالإصابة منها، فمكنته من نفسها فواقعها الراعي وحملت بشمر (لعنه الله(.

 

س/4: هل تحتاج كربلاء اليوم لإعادة قراءة؟ لماذا؟ وكيف؟.

يمكننا أن نقول أن كربلاء تحتاج إلى قراءة موضوعية متحررة عن إملاءات الواقع وبعيداً عن أسر الأجواء النفسية المحيطة، المشكلة التي يقع فيها الباحث في قراءته للحدث الكربلائي هي المؤثرات الأجوائية المحيطة التي تمثل حالة الزيغ المؤثرة في الباحث، فقد يكون الزيغ والانحراف نابعاً من نفسه كمن يطلب حظوة عند سلطان أو يريد أن ينأى بنفسه عن المسؤولية أو يريد تعزيز موقفه الذي اختاره لدواعي مادية، وقد يكون الزيغ والانحراف نابعاً من الأجواء المحيطة، فيتأثر الباحث بالمحيط السلبي، كمن يشعر بالانهزامية أو من يشعر بالضعف، أو من كان متحملاً بعض المسؤوليات ثم ألمّ به التعب، فتكونت لديه أجواء نفسية محبطة، ومن خلال ذلك نرى حالة الانتقاء لديه في قراءة الحدث الكربلائي، أو أنه يقوم بإتباع المتشابه، كما قال الله تعالى حول آيات القرآن الكريم (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ). [آل عمران : 7]

فإننا نحتاج إلى قراءة موضوعية للحدث الكربلائي حتى لو خرج الباحث بنتائج مغايرة لما عليه من حال، أو نتائج غير مقدورة لديه، أو نتائج لا تكون خياراً لظروفه الموضوعية، وإنما قد تكون ملائمة لظروف في مكان أو زمان آخر. لأن المشكلة الكبرى هي أن يقوم الباحث بالقراءة المتأثرة بالأجواء فيحرف التاريخ عن مساره.

من مؤلفاتنا