حوار مع السيد الموسوي: الحج وصياغة شخصية الإنسان

004اجرى الحوار: علي هلال

بعثة المرجع المدرسي في الحج

 

في عصر تتكالب فيه الأمم على ضرب ماتبقى من قيم المجتمع الإسلامي وتجفيف منابعه وتلويث قنوات مناهله، تبرز الحاجة الملحة لإعادة صوغ هوية الإنسان الفرد المجتمع فالأمة وتأكيد الصبغة الربانية والانتماء لخط الانبياء والرسل والأوصياء، وذلك عبر تكثيف الرؤية لشرائع الدين واستجلاء حقائق الإيمان الكامنة في غيبها، وبيان مضامين العبادات لا سيما الحج كعبادة متميزة تتركز فيها ملامح الأمة الواحدة.

 

.

المحاور: معنا في هذا الحوار سماحة السيد محمود الموسوي الباحث الإسلامي، سماحة السيد بداية نرحب بكم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

السيد محمود الموسوي: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته أهلا وسهلا حياكم الله.

المحاور: سماحة السيد الآن في هذه الأجواء أجواء موسم الحج في كل عام يقصد مئات الآلاف من المسلمين لحج بيت الله الحرام، وأداء مناسكه العبادية، لكن هذه العبادة ليست كغيرها من العبادات، ومن المعروف أنها عبادة تتطلب الجهد الجهيد من الإنسان، لكن ليس هذا المهم فالأهم هو ما تحمله من معاني جسيمة في جوانب عديدة. كيف يمكن التعرف على هذه الجوانب والإستفادة منها.

السيد محمود الموسوي: بسم الله الرحمن الرحيم بخصوص شعيرة الحج ومناسك الحج لا شك أنها كما قلتم تحتوي على الكثير من المعاني، يعني هذه الأعمال وهذه المناسك هي ذات مضمون مفاهيمي وقيمي،  ففيها معاني عميقة جدا وينبغي على الإنسان أن يستفيد من هذه المناسك وهو يؤديها عن طريق الإطلاع على أسرار وحكمة هذه المناسك، فأهل البيت سلام الله عليهم بينوا لنا في رواياتهم العديد من هذه المعاني وهذه الأخلاقيات وهذه الآداب المعنوية، فإن العبادات في الإسلام ليست مجرد طقوس وحاجة شكلية وإنما هي عامل تربوي أيضا، يعني إذا نظرنا إلى المنهج التربوي في الإسلام سنضع العبادات كجزء أساسي من النظام التربوي الإسلامي بشكل عام، فإن هذه العبادات تساهم في تربية الإنسان.. في صناعة الإنسان.. في تطوير قدرات الإنسان..

وبالتالي لكي يعرف الحاج كيف يستفيد من هذه العبادة بتنوعها خصوصا الآن في الحج لا بد أن يطلع على روايات أهل البيت التي تتحدث عن هذه المواضيع، يعني مثلا عندما يتكلم الإمام الصادق عليه السلام أنه عندما تسعى في السعي وفي الهرولة ينبغي على الإنسان أن يفكر كيف يهرب من السلبيات التي لديه.. من أخطاءه.. من ذنوبه.. كأنه يفر منها فراراً، فيسعى إلى الطاعات ويهرب من المعاصي والسلبيات وهكذا كل شعيرة لها معنى، في الرمي له معنى، فعندما يقول الإمام أنه إذا رميت فانوِ أنك ترمي السلبيات أو ترمي المعاصي أو الأفعال الذميمة كما في تعبير الإمام، وهذا يعني أن الإنسان كأنه يرمي هذه الأفعال ويجسدها في الواقع فيرميها لكي يتخلص منها، بهذه الطريقة يمكن التأثير، أي بالإطلاع على رويات أهل البيت عليهم السلام والتعرف على مضامينها التربوية وليس فقط الإطلاع على أحكامها الفقهية، الأحكام الفقهية تضمن لك صحة العمل التي أنت تؤديه ولكن الروايات التي تتحدث عن المعاني والمضامين والآداب المعنوية وهي تؤثر في العامل التربوي.

المحاور: سماحة السيد المعروف عن الحج أنه في كل عام مرة واحدة فقط، وقد يوفق المسلم للحج لمرة واحد وربما لمرات عديدة وربما لا يوفق، وقد ذكرت الروايات أن هناك تأثير على الحاج بعد أداءه لهذه العبادة، والتساؤل هنا ما الذي يجعل أهل بيت النبوة يولون للحج اهتماما أكبر في رواياتهم وأحاديثم دون غيرها من العبادات، و هل هذا التأثير الذي يشار إليه هو زمني أم أن تأثيره مستديم، وكيف لنا أن نستفيد من هذه الآثار.

السيد محمود الموسوي: أحسنتم، الحج هو عبادة كما قلنا لصياغة الإنسان وشخصية الإنسان، ولكن ليس فقط على المستوى الفردي، وإنما على مستواه الفردي وعلى مستواه الأسري وعلى مستواه الإجتماعي وعلى مستوى الأمة، بشكل عام على المستوى الحضاري والثقافي للأمة بشكلها أو بالنظر إليها بشكل عام.

أولاً الحج هو كسائر العبادات ولكن يختلف أين، اختلافه أن فيه أجزاء كثيرة بحيث يحتوي على الصلاة وآثار الصلاة، ويحتوي حتى على الصدقة وآثار الصدقة أيضا في هذه الأعمال التي لا توجد في أماكن أو في أشياء أخرى، فهناك مثل السعي والطواف.. وفيه الدعاء فيه قمة الدعاء كما في عرفات.. فيه الخروج واللجوء إلى الله عز وجل كما في المشعر الحرام، الإنسان يصحر في هذا المكان وتتجمع الناس في هذه البقعة المباركة لكي يدعوا الله عز وجل، ففيه الكثير من الأشياء التي تؤثر على الفرد كفرد وأيضا فيه المضامين التي تؤثر على المجتمع على اعتبار أنه رحلة جماعية وليست عبادة فردية، يعني هو ليس عبادة فردية وإنما هو عبادة جماعية، لذلك الإنسان عندما يكون قادماً إلى الحج فالأفضل أن يؤدي هذه المناسك ضمن مجموعة لكي يعرف كيف يجتمع معهم، كيف يتبادل الآراء معهم، كيف يبلغ الدين معهم، كيف يتعاشر، يعني كيف يمارس العشرة معهم، فبالتالي هذه تنعكس إذا طبقها بشكل سليم على واقعه بعد ذلك، وعلى حياته، فإننا نرى أن كتاب العشرة الذي يختص بالرويات التي تتحدث عن المعاشرة بين الناس، يعني استحباب الصداقة انتخاب الصديق البشاشة، التعاون مع المؤمنين مساعدة وإعانة الآخرين، ستر العيوب وما شابه ذلك، كل هذه الروايات التي جاءت في العشرة مع الإخوان التي تنظم في حقيقتها إذا نظرنا في حقيقتها فهي تنظم المجتمع الإسلامي، الواقع الإسلامي في تعامله مع بعضه البعض، هذه جاءت في بداية كتاب الحج لم يدرجها مثلا المرحوم العاملي صاحب كتاب الوسائل لم يدرجها في الكتب الإجتماعية أو ما شابه ذلك، إنما أدرجها في بداية كتاب الحج لماذا؟ لأن الحج يحتاج إلى هذه الأشياء بشكل أساسي، هو عبادة جماعية أيضاً وهو أيضا يساهم في صياغة شخصية الأمة بشكل أعم كيف، يعني ارتباط الحاج بالشرع المقدس، طوافه حول هذا البيت أنه يجعل الله عز وجل هو محور تحركه وحياته بشكل عام، اجتماعه مع العلماء مع المرجعيات، في السابق كان الناس تحج بحج الإمام عليه السلام الإمام المعصوم، الآن بلا شك أن الإمام المعصوم الإمام أرواحنا له الفداء وعجل الله له الفرج أيضا حاضر، ولكن هنا أيضا النواب نواب الإمام الحجة ألا وهم مراجع الدين العظام أيضا يحجون أو ياتون على هيئة بعثات وما شابه ذلك، العلماء بمختلف أنواعهم أيضا يتواجدون في الحج فبالتالي ينبغي على الإنسان يتواصل مع مصادر العلم مع نواب الإمام الحجة عجل الله له الفرج، فهنا يأخذون الزاد يأخذون العلم يأخذون هذه الطاقة الروحية من الحج وأيضا العلمية من العلماء لتنعكس بعد ذلك على واقعهم في الحياة فأيضا تساهم شريعة الحج بذلك في بناء كيان الأمة الإسلامية وليس الفرد فقط فالفرد والمجتمع والأمة بشكل أعم.

0320

المحاور: هناك الكثير من النظرات السلبية والأفكار الخاطئة وجهت لنا كمسلمين، وهذا كله بسبب التأثير الإعلامي والثقافات الغير أخلاقية ذات الطابع غير الإسلامي التي يطلق عليها العولمة، مما تركت آثارا سلبية في بعض المجتمعات الإسلامية في شبابها وفتياتها، فكيف يمكن الخروج من هذه العولمة وآثارها وأجوائها السلبية من خلال الحج.

السيد محمود الموسوي: الإسلام وضع لنا عدة محطات ينبغي أن نتزود منها، الصلوات اليومية، الحج كفريضة سنوية وكمناسك سنوية، الصيام كعبادة سنوية تمر كل عام على الإنسان، هذه المحطات هي محطات للتصفية إن صح التعبير ليس فقط للبناء، هي تبني ولكن أيضا تصفي، لعله موجود الإنسان المؤمن الخالص الذي يمارس عبادته على أكمل وجه وتعامله مع الناس على أفضل وجه، يتعامل معهم بمكارم الأخلاق وحسن العشرة وما شابه ذلك.

ولكن الحياة كما ذكرتم لا تدع الإنسان، فهناك مخططات، مخططات عالمية يعني الغرب يعمل على أن أي ثقافة مغايرة لثقافته لا بد أن تشوش لا بد أن تتأثر بثقافته هو، يبلغ لثقافته فيؤثر مثلا على الشباب.. على أمزجتهم.. على ثقافاتهم.. على سلوكهم.. فبالتالي نحن في بلداننا الإسلامية هناك علينا هجمات قوية وشرسة ومخططة وترصد لها ميزانيات ضخمة جدا، إذا لاحظنا معظم الإحصائيات تقول أن الغرب وبالتحديد أمريكا الميزانية التي هي مرصودة للتبشير الثقافي تحت عنوان السلع الثقافية، بمعنى إنتاج الأفلام إنتاج الدمى الثقافية الملصقات السيديات وما شابه ذلك البرامج التي تؤثر على الشباب وعلى سلوك الشباب هذه الأشياء، هي ترصد أكثر ما ترصد من مال إلى هذه الأمور لكي تؤثر على مجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية أيضا، ولكن نحن في حديثنا نتحدث عن الواقع الإسلامي، نعم نحن لا نرى التغيير نعم هناك تغيير وتغير في أمزجة الشباب في سلوك الشباب لكن أين يذهبون حتى الإنسان المؤمن عندما يجد هذه المظاهر عندما يذهب إلى السوق عندما يتعرض إلى موقف هنا وهناك ويتعرض إلى تحديات حتى في داخل بيته عبر الفضائيات والإنترنت أو ما شابه ذلك، لا بد أنه يحتاج إلى محطات روحية يقف فيها ويصفي هذه النفسية كما في تعبير الروايات الحج ممحات، كيف ممحات يعني يمحي الذنوب وحتى الصغائر وهي اللمم على حسب التعبير القرآني، هذه الذنوب الصغيرة التي تعترض الإنسان أحياناً حتى من غير إرادته أو هي كما أحيانا تسويلات النفس أو ما شابه ذلك، فالحج يكون ممحاة.

هنالك قصة من القصص أنه جاء قوم إلى الرسول (ص) قالوا له يا رسول الله نحن إذا كنا عندك نكون في حالة روحية وفي قرب من الله عز وجل ومن الدين، ولكننا إذا ذهبنا إلى أزواجنا وذهبنا إلى أعمالنا ومارسنا حياتنا وابتعدنا فإننا ننسى، يعني نبتعد عن الحالة الروحية عن الله عز وجل فننجذب إلى الدنيا، قال لهم الرسول (ص): إذاً أكثروا من التراود. لأنهم قالوا نحن إذا جئنا عندك يا رسول الله نعيش هذه الحالة، إذاً أكثروا، أي أكثروا من زيارة رسول الله من هذه المواضع التي تذكركم بالله عز وجل والتي تجعل لكم تصفيات للروح والعقل أيضا، فإذا الحج يمارس يعني ممكن أن يقف في وجه تيار العولمة وأي مخطط من المخططات الأخرى التي تقع على المسلمين عبر المداومة عليه عاماً بعد عام، هو واجب في العمر مرة واحدة، فرض على الإنسان أن يحج في عمره مرة واحدة إذا كان مستطيعاً، ولكن هناك محفزات أن يدمن الإنسان الحج، الإمام الصادق عليه السلام من أراد خير الدنيا والآخرة فليؤم هذا البيت أو عليكم بحج هذا البيت فأدمنوه فإن فيه خير الدنيا والآخرة.

هناك كثير من الروايات تذكر كلمة الإدمان، الإدمان بمعنى أنه داوم على هذا الشيء لحد الإدمان أي أنك لا تستطيع أن تنفك أو تنقطع عن بيت الله الحرام لماذا، لما فيه من تواصل مع مصدر الرحمة الإلهية، يعني أي إنسان يريد أن يستقوي لا بد أن يذهب إلى مصدر القوة، يريد مثلا سلاح لا بد أن يذهب إلى مصدر السلاح، يبحث عن أين يصنع هذا السلاح فيأخذ هذا السلاح، فبالتالي أيضا إذا الإنسان يريد الطمأنينة وصفاء النفس وأيضا الوعي السليم لا بد أن يتواصل مع مصدره وهو الله عز وجل في بيته الحرام عبر حج بيت الله الحرام.

المحاور: في إحدى المقالات المنشورة لسماحتكم بعنوان الحج وتطوير الذات، ذكرتم أن التشريعات الإلهية في الحج كلها تصب في تطوير الذات وتغييره والإرتقاء به إلى درجات الكمال، فما هي هذه التشريعات التي لا بد من الإلتفات إليها في الأيام القلائل في الحج.

السيد محمود الموسوي: أحسنتم، بالفعل العبادات في الإسلام هي منهاج تربوي، هي منهج تربوي للإنسان إذا عرف الآداب المعنوية والمضامبين التي ينبغي أن يضعها في حساباته وفي تفكيره، نحن نقول بالإستفادة من راويات أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين أن للحج معان.. لكل فعل من أفعال الحج له معنى من بدايته إلى آخره، أنتم قلتم أي الأفعال التي يمكن أن نستفيد منها نحن نقول كل الأفعال، كل فعل في الحج له معنى من بداية دخول الإنسان إلى الميقات عندما ينزع إحرامه فلا بد أن يستشعر ويضع في حسبانه وفي تفكيره بأنه ينزع ثياب الدنيا، فهذ المخيط الذي هو يلبسه بشكل اعتيادي في حياته لا بد أن ينزعه فيلبس كما هو الحكم الفقهي الإزار والمئزر وهو الإحرام غير المخيط، فعندما يلبس هذا الإحرام لا بد أن يفكر في أنه يلبس ثوب الطاعة يعني السر أين؟، السر أن الإنسان لا بد أن يفكر في المعنى، أن يرفع من ذهنه ويتصور هذه الأشياء المحسوسة لديه، يتصور أنها أشياء معنوية لها ظلال معنوية، هذا اللباس المخيط عندما أفكر بأنه لباس الدنيا وأنزعه وكأني نزعت سلبيات الدنيا وتبعات الدنيا وشهوات الدنيا، فألبس ثوب الطاعة وثوب القرب وثوب الإلتزام وثوب اللجوء إلى الله عز وجل، هذه الطريقة من التفكير في أن يكون الحج بناء للذات وتطوير للذات فيعطيني كل فعل من أفعال الحج سمة إضافية ويعطيني أيضا صفة إيجابية وأيضا يخلصني صفة سلبية، فإذا جرى الإنسان بهذا المجرى وتصور جميع أفعاله وركز التصور هذا التصور ركز عليه فإنه بلاشك سيحصل في نهاية المطاف على خير الحج الدنيوي قبل الآخروي، لأن أهل البيت سلام الله عليهم دائما يقولون أن الحج فيه خير الدنيا والآخرة، ليس فقط الآخرة إنما أيضا في الدنيا له تأثير وما ذكرناه من مصاديق التأثير الدنيوي، طبعا ًهنالك تأثيرات كثيرة جدا ولكن موضوعنا الآن في بناء الذات فمن ضمن التأثيرات الدنيوية والتي لا انعكاس أيضا هو بناء الذات عبر التصور وعبر معرفة المضامين لهذه العبادات وهذه المناسك بشكل عام.

المحاور: نشكركم سماحة السيد على وقتكم الذي أثمرتوه في هذه المعلومات بإجابتكم على هذه الأسئلة، ونسأل الله أن يتقبل حجنا وحجكم إن شاء الله وأن يعودنا لحج بيته الحرام في كل عام.

السيد محمود الموسوي: أهلا وسهلا جزاكم الله خير، أسأل الله القبول لنا ولكم القبول إن شاء الله.

0424

من مؤلفاتنا