آفاق الحج الحضارية .. المسلم المعاصر . . وصراع الهوية

اجرى الحوار: سماحة الشيخ حسن البلوشي
uuuيتساءل العالمُ اليوم، بعد أن حققت الشعوب متكاتفةً جهوداً منقطعة النظير في التواصل فيما بينها حتى باتوا مشتركي الهموم والمصير، يتساءل عن إمكانية بل وصلاحية أن تهمين ثقافة على أختها، أو حضارة على نظيراتها،تحت أي مبرر، وانطلاقاً من أي حجة، مستنكرين كل أعمال الدمج المذيب للشخصية، والمماهي للهوية الحضارية. هذا؛ في الوقت الذي تسعى فيه كل الشعوب التي تعتز لنفسها بتاريخ وحضارة، مناهضة هذا السلوك، متحديةً كل أنواع التنميط، وهي بين قادرة وعاجزة. .

ولا يزال هذا التساؤل يراود المسلمين أيضاً، بين كثرة تقترب من الإجماع على ضرورة التحدي، وقلة لا ترى للنهضة من سبيل إلا في التماهي في الآخر، يراهن الفريق الأول على قدرة الأدوات الإلهية التي ادخرها الله ـ سبحانه ـ لدينيه كي يتجاوز الزمان والمكان، ويعلو فوق كل متغير ومتبدل، والتي منها شعائر الله ـ سبحانه ـ التي تصوغ المؤمنين بصبغة إلهية هي أحسن الصبغ، المنسجمة مع سننه التي لا تبديل لها ولا تحويل.

أما الفريق الثاني فهو دائر في دوامة الشك.

هذه الهموم مجتمعة هي ما نحاول طرحها وتداولها مع سماحة السيد محمود الموسوي البحراني، الكاتب والباحث الإسلامي، عضو هيئة التحرير في مجلة البصائر الفصلية؛ الصادرة عن حوزة الغمام القائم (عج) العلمية، بدمشق، ونحن في ضيافة سيد الخلق أجمعين رسول الله ، وبين أيديكم الحوار . .

المرجع والأمة: سماحة السيد، تتجاذب المسلم المعاصر العديد من الخيارات والأطروحات الثقافية والفكرية؛ المتنوعة في مذاهبها ورآها الفكرية والفلسفية والعقدية، هذا في الوقت الذي استطاعت فيه الحضارة المعاصرة تجريدَ الإنسان المعاصر ـ بما فيه المسلم ـ من أطره الاجتماعية والأسرية التي تمثل الصفوف الأمامية في مواجهة تحديات الحياة، مما جعله في الصف الأمامي تجاه محيطات من الأمواج الثقافية، يتداولها ويحاورها ويتصارع معها، لوحده. هل يمكن للحج كشعيرة أساسية في الدين أن تكون عوناً حقيقياً له في هذه المواجهة؟ وكيف ذلك؟

السيد الموسوي: انطلاقاً من حقيقة أن الحج هي فريضة من أعظم الفرائض أن لم تكن أعظمها، وقد اشتملت على "منافع" للناس عامّة مطلقةً في شتى ميادين الحياة، انطلاقاً من هذه الحقيقة هاهنا جانبان:

الأول: فريضة الحج هو عبارة عن رحلة إيمانية مجالُ تأثيرها الروح، تعين الإنسان المسلم على مواجهة سلبيات المجتمع وشوائبه، لذلك؛ فإنه لابد ـ على المسلم ـ من أن يتراوح على الحج بشكل مستمر، وهذا ما دعت إليه الكثير من النصوص عن أهل البيت وأسمته بـ"إدمان الحج".

الثاني: الحج هو عبارة عن حالة اجتماعية تواصلية من كل فج عميق، ويمكن أن يستفاد منها خلق تداول فكري ثقافي متنوّع في القضايا موضع الابتلاء المعاصر للأمة الإسلامية، وسيكون مجال تأثير هذه الحالة هو: العقل.

المرجع والأمة: سماحة السيد، كانت نداءات الخليل قبل أكثر من 4000 عام من اليوم، حين رفع قواعد البيت، هو التوحيد الخالص "الحنفية" في مقابل الثقافات الشركية الأخرى المعايرة لمفهوم "الحنفية". ما هي آفاق التوحيد في المجال الفكري، خصوصاً عند ملاحظة التيارات المعاصرة اليوم؟

السيد الموسوي: لا شك أن التوحيد محور الالتزام بالمناسك، ولا يمكن أن نفصل بين الحالة العبادية التوحيدية وبين سائر الجوانب الحياتية بما فيها المجال الفكري، بل هو من اخطر المجالات لأنه يؤسس القناعات ومناهج يسير على خطاها الناس.

ويتجلى التوحيد في الجانب الفكري في الأسس المنهجية التي يعتمدها المفكر في بلورة رؤاه؛ ليكون في خط القرآن وأهل البيت ، أو لا أقل أن لا يتصادم مع مضامينهما في حال القصور العقلي لاكتشاف المراد من تلك المصادر.

المرجع والأمة: سماحة السيد، تتداعى لزائر الأماكن المقدسة، وبالذات عند مدينة النبي الأعظم ، حنين نحو الأصالة والتراث، خصوصاً عند رؤيته لبيت النبي ومسجده، وقبور البقيع . . وغيرها. وفي ذات الوقت يرى نفسه يعيش في عصر ثورة المعلومات والاتصالات . . وكل تجسدات العولمة. كيف يمكن له التوفيق والملائمة بين أصالة الماضي ومعاصرة الحاضر؛ مع الحفاظ على صبغته الإسلامية وهويته الحضارية؟

السيد الموسوي: أصالة الماضي هي منبع القيم التي تؤسس لكافة الرؤى الحضارية في كل زمان، وتلك الرؤى توجّه كل انتاجات العصر وتضبط مسارها عبر ثورة الاتصالات والإعلام، وكلّما ازدادت المسؤولية على المسلم في إيصال صوت الأصالة لكافة الناس بطرق حضارية ليكتشف الناس نور الهداية.
ـــــــــــــــــ
أجري الحوار في المدينية المنورة ، حج 1426هـ ضمن فعاليات بعثة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي.

من مؤلفاتنا