هل أتاك حديث موسى؟

koshime

حسين الخشيمي*

ماذا يتوجب علي أن افعل عندما أقع في دائرة مغلقة من الحيرة  والظلمة الشديدة, فتصعب عليّ رؤية الطريق,  وتهجم عليّ الضغوط والمشاكل الواحدة تلو الاخرى فأجد نفسي عاجزاً ابحث عن (قشة) أتعلق بها.

.

وكعادتي.. لن اجد غير كتاب الله ملجاْ, فأسرعت اليه لأبحث عن الخلاص مما نزل بي, فقرأت قوله تعالى : { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} فاستحضرت حيرة وخوف موسى عليه السلام عندما سار بأهله من مدين الى مصر, وكانت تلك المسيرة بداية جديدة له, حيث حُمِلَ رسالة عظيمة وهي مقاومة الكفر والطغيان, ونشر الايمان والعدل..

 وفي ليلة مظلمة شتائية باردة برفقة اهله وامتعته ومن كان معه, ظل موسى عليه السلام الطريق, وحار اشد حيرة, واذا بزوجته قد جائها المخاض !! فكانت تلك من اصعب الساعات التي مرت على موسى عليه السلام.. لكنه وكاعدته استعان بربه لكي ينقذه من هذه الورطة, فراح يبحث عن الشيء الذي سخره له ربه, ليخرجه من هذه الازمات التي أحاطت به, فأذا به يرى ضوءا من بعيد, وسرعان ما قصد ذلك الضوء وكان يعتقد بأنها ناراً وسيتطيع من خلالها ان يوفر الضياء والدفيء لأهله قال تعالى: { إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى}.

فنودي سلام الله عليه من خلف تلك الشجرة الوهاجة بالنور, وجاءه الخطاب الإلهي محملاً إيها الرسالة الالهية والمسؤولية الكبرى.. وكان تأييد وتسديد الرب لموسى عليه السلام ثمرة عودته في كل امر الى ربه حتى في ابسط الامور واسهلها, وبالتالي فأن الله تبارك وتعالى كان معه في كل وقت ومكان ويخاطبه في كل احواله وقد روي ان الله تبارك وتعالى خاطبه ذات مرة: (ياموسى اطلب مني حتى ملح طعامك)!!

 وعلى مقدار هذه المسؤولية ياتي التأييد والتسديد الالهي, فقد يخطط ويدبر الانسان ولكنه سرعان مايجد نفسه في حيرة كبيرة, وان الامور قد سارت عكس ما اراد, ثم يعود الى نقطة البداية, ليجد ان الملجأ الوحيد وهو الله الذي بيده ملكوت كل شيء, والذي لايصعب عليه امر, ولكن هناك فرق بين من يلجأ الى الله قبل كل شيء, وبين من يلجأ اليه بعد ان يحاول ان يضع من البشر بديلاً عن الله, او المنصب وسيلة لحمايته دون حصن الله, وغيرها من تلك الامور التي سرعان ما تنجلي دون عودة, ولكن تسديد الله مستمر دون انقطاع مادام الانسان ينتظر  ذلك من الله وحده, وعلى هذا الاساس كان لموسى عليه السلام تلك المنزلة العظيمة, فهو كليم الله, ولعل هذه المرتبة قد حازها عليه السلام لأتصاله المستمر بربه, ولأستعانته به في كل الامور, ولأنكساره وخضوعه امام الله  وفي الحديث { أوحى الله عز وجل إلى موسى ( عليه السلام ) أن : يا موسى أتدري لم اصطفيتك بكلامي دون خلقي ؟ قال : يا رب ولم ذاك ؟ قال : فأوحى الله تبارك وتعالى إليه أن يا موسى إني قلبت عبادي ظهرا لبطن ، فلم أجد فيهم أحدا أذل لي نفسا منك ، يا موسى إنك إذا صليت وضعت خدك على التراب}

ان قصة موسى عليه السلام غنية بالعبر والمواقف التي لو تأملنا فيها لوجدنا اننا امام شخصية عملاقة, استطاعت من خلال طاعة الله والتذلل له ان تحصل على منزلة عظيمة, وقصة مسيره من مدين الى مصر هي واحدة من اهم القصص التي قد يمر بها كل انسان, وخصوصا اولئك الذين نذورا انفسهم في سبيل الله وتبليغ رسالته, والتأمل في هذه القصة عند الوقوع في المحن والمشاكل, كفيلة بأن تزيل الهم والحزن والتعب, فهي تذكرنا بالعودة الى الله, وتعلمنا درساً مهما وهو ان الله تعالى منقذ البشر من مشاكل الحياة وعقباتها الكثيرة, وانه لولا وجود الله توكلنا عليه لفقدنا الامل في الاستمرار والعيش, فينبغي لنا ان لا نقع بسهولة في نفق اليأس والعجز, بل ان نجعله نقطة البداية للأنطلاق في رحاب طاعة الله والتوكل عليه كما فعل موسى عليه السلام.

ـــــــــــــــــــــــــــ

* العراق

من مؤلفاتنا