مثلا : الإمام الحسن عليه السلام قضى مسموماً على يد امرأته والجميع يقولون أنه كان يعلم أنه سيموت مسموما على يدها ,, وأنا لست مقتنعة بأنه كان يعلم لأنه لو كان يعلم لكان هذا انتحاراً وليس تسليما بالقضاء والقدر وكذلك باقي الأئمة هل بالفعل كانوا يعلمون كيف سيموتون؟؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا محمد وآله الطاهرين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن النبي الأعظم (ص) وأهل بيته الطاهرين (ع) لديهم علم الغيب بمقدار ما يطلعهم الله عليه، وليس علم الغيب الإلهي، فهناك نوعان من علم الغيب، علم اختص الله به نفسه، وعلم يعلمه أوليائه، كما ثبت ذلك قرآنياً.

ومسألة علم المعصومين بموتهم أمر مسلّم به وثابت، ولكي نفهم ذلك علينا أن نعي أن الانتحار الذي تفضلتم به وهو أن ينهي الإنسان حياته دون سبب شرعي وبإرادته الكاملة، هذا الانتحار قد حرّمه الشرع، ولكن إقدام الإمام على فعل قد كمن له أعداء الله فيه، وقام هو بالإقدام عليه استجابة لأمر الله تعالى، فهذا لا يعد انتحاراً..

الفرق الكبير وهو أمر الشرع وليس قياساتنا.. فكما أن الشرع قد أمر المسلمين بالصلاة تجاه القدس، ثم حوّل القبلة ناحية الكعبة بأمر من الله، فكذلك نفرق بين ما يسمّى انتحار وما لا يدخل في الإنتحار، فالغاية الأهم في حياة الإنسان هي استجابته لأمر الله تعالى.

إن قضاء الله تعالى لابد أن يكون نافذاً، وعنده تختلف الموازين، فإذا قرأنا قول الله تعالى على لسان النبي إبراهيم:

(فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ . فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ).

قد تأتي تساؤلات حول هذه الحادثة التي لم تتم ولكن تم الشروع فيها والتسليم لأمر الله فيها، والتساؤلات من قبيل: أن هذا الفعل من النبي نقيض الشرع، لأن الأب لا يجوز له أن يقتل ابنه، كما أن الابن كان حليماً أي أن صفاته عالية، والحلم لا يدع الإنسان يغضب فهو بريء فلا يمكن أن يكون له جرم يستحق عليه العقوبة بالقتل.

ولكن الذي غيّر المعادلة هو أمر الله تعالى  والتسليم له عز وجل.

وهنا أضع رواية من الجيد أن نتأمل فيها  وهي تجيب على هذه الإشكالية:

خبر ضريس الكناسي فإنّه قال: سمعت أبا جعفر يقول وعنده أناس من أصحابه: (عجبت من قوم يتولّونا ويجعلونا أئمة ويصفون أنّ طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم يكسرون حجتهم ويخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم، فينقصونا حقّنا ويعيبون ذلك على من أعطاه الله برهان حق معرفتنا والتّسليم لأمرنا أترون أنّ الله تبارك وتعالى افترض طاعة أوليائه على عباده، ثم يخفى عنهم أخبار السماوات والأرض، ويقطع عنهم مواد العلم فيما يراد عليهم ممّا فيه قوام دينهم .

فقال له حمران: جعلت فداك أرأيت ما كان من أمر قيام علي بن أبي طالب والحسن والحسين (عليهم السلام) وخروجهم وقيامهم بدين الله عز ذكره وما أصيبوا من قتل الطواغيت إياهم والظفر بهم حتى قتلوا وغلبوا؟

فقال أبو جعفر (عليه السلام) : (يا حمران إنّ الله تبارك وتعالى قد كان قدّر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه على سبيل الاختيار ثم أجراه، فبتقدّم علم إليهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قام علي والحسن والحسين، وبعلم صمت من صمت منّا، ولو أنّهم يا حمران حيث نزل بهم ما نزل من أمر الله عز وجل، وإظهار الطواغيت عليهم، سألوا الله عز وجل أن يدفع عنهم ذلك وألحّوا عليه في طلب إزالة ملك الطواغيت وذهاب ملكهم إذاً لأجابهم ودفع ذلك عنهم، ثم كان انقضاء مدة الطواغيت وذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدد، وما كان ذلك الذي أصابهم يا حمران لذنب اقترفوه، ولا لعقوبة معصية خالفوا الله فيها، ولكن لمنازل وكرامة من الله أراد أن يبلغوها، فلا تذهبنّ بك المذاهب فيهم).

(الكافي / باب أنّ الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم شيء.

من مؤلفاتنا