نحو قراءة معاصرة للقضية الحسينية

geraibiبقلم:أ/غريبي مراد(*)

حتى ندرس سيرة الإمام الحسين (ع) جيدا، و نرصد كيف كانت رحابة عقله و رزانة فكره و حلم حراكه و إشراقة إسلامه و وجاهة صبره ؟ و كيف كان يحمل مسؤولية الإسلام و المسلمين في عقله و قلبه و آله عليهم الصلاة و السلام؟

.

 

إذا كنا نحب فعلا و واقعا الإمام الحسين عليه السلام و نحيي يوم شهادته بكربلاء كل سنة، ينبغي أن نطلق  في هذا اليوم الحزن الإسلامي الذي يصنع الفرح الإسلامي و يجعل من الابتلاء مدرسة للإستقامة ، لأن كربلاء جامعة للحكمة الإسلامية و بستان لأزهار الثقافة الإسلامية و مكمن الثروات الروحية و العرفانية الإسلامية. لهذا لابد أن تكون ذكرى الإمام الحسين عليه السلام انطلاقة جديدة للعلماء و المفكرين و المثقفين و الأدباء لأجل بناء و تنمية المناهج البحثية الخاصة بموضوع الإصلاح الإسلامي.حتى يستوعب المسلمون الإصلاح في الفكر و الثقافة و السياسة و الاقتصاد و الاجتماع و في فهم الكون، من خلال فصول مقياس الشهادة في جامعة كربلاء الحسين عليه السلام. و على ضوء ذلك، نجد أنه ليس لدى الإمام الشهيد  الحسين عليه السلام شيء في الفكر و في السياسة و في الاجتماع و في الثقافة و في الحركة ككل إلا الخط  الإسلامي الأصيل.فكان الحسين عليه السلام إماما بكل ما تحمل الكلمة من معنى و بكل ما تتسع له الكلمة في أبعادها الثقافية و السياسية و الاجتماعية، فكان أسلوبه العملي يتمثل أسلوب رسول الله (ص). و في بعض أحاديثه عليه الصلاة و السلام قال :( أيها الناس قال رسول الله (ص) قال:" من رأى منكم سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ، ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله ، يعمل في عباده بالإثم و العدوان فلم يغر عليه ،بقول و لا بفعل كان حقا على الله أن يدخله مدخله" ،ألا و إن هؤولاء قد لزموا طاعة الشيطان و تركوا طاعة الرحمان و اظهروا الفساد، و عطلوا الحدود و استأثروا بالفيء و أحلوا حرام الله و حرموا حلال الله و أنا أحق من غير...).إن حديث الإمام الحسين عليه السلام هذا، جاء بصيغة النداء المبني للرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم، حيث يعطي حقيقة العلاقة الجوهرية بين شخص النبي الأكرم (ص) و الإمام الحسين عليه السلام من جهة ، و صفة التحليل التربوي للمفاهيم السياسية كالقيادة و المسؤولية في مدرسة أهل البيت عليهم السلام من جهة أخرى، من خلال توسيع دائرة المطارحة و الاستقصاء للمآزق التي تعوق حركة المجتمع الإسلامي. و أول ما نلاحظه في مستهل هذا الخطاب النبوي الحسيني ، أنه لابد منا التحديق في البطولات و الأدوار بالإضافة لتحديقنا للأبطال ، لأجل اكتشاف و تقصي خصوصية الخط الذي يمثله هذا الشخص البطل، فرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حدد لنا ملامح القيادة السيئة التي تفرض نفسها على الواقع الإسلامي و التي تستقطب الناس لخطها الانحرافي و تحجب عنهم الخط الإسلامي الأصيل.ثم يتحدث الإمام الحسين عليه السلام بعد تبليغ الحديث النبوي ، بأسلوب يضفي على المسألة بشيء من التفصيل و التحليل و التبسيط و التحريك أو بشيء من الحركية الرسالية الواقعية التي تتصدى لها الإمامة بعد أن إنقضى عهد النبوة.حيث انطلق  الإمام الحسين عليه السلام لتوصيف الواقع من خلال إسقاط النظرية الإسلامية النبوية عليه لمكاشفته، فبعد أن كان الحديث عن القائد أصبح حديثا عن الانحراف الذي  صنع نظاما و أجهزة تخدم مصالحه و تحمي أهدافه الإستكبارية...من خلال ذلك نفهم ، أن الشخص القائد الذي يكون سلوكه سيء في حركة القيادة للحكم، إذا إلتقى بمجتمع لا يبالي بواقعه أكان إسلاميا أو غير ذلك ، فإن هذا الواقع حتما يكون واقعا غير إسلامي، لأن شروط  ذلك-التي حددها الرسول الأكرم (ص)- قد توافرت...بصراحة: بعد هذه الإرهاصة الثقافية السياسية أو النظرية  النبوية الحسينية لمفهوم القيادة بصيغة واقعية ، جاءت المسؤولية الإسلامية لإنتاج التغيير ، حيث قدم الإمام الحسين عليه السلام نفسه على انه الرمز القادم للتغيير لا لتغيير الشخص و لكن لتغيير اتجاه القيادة و تقويم انحرافها على مستوى الشخص كقمة الهرم الانحرافي من ناحية و المجتمع كهيكل انحرافي من ناحية أخرى ، و هذه الحقيقة نستشفها و نستوحيها في عدة مشاهد قصصية قرآنية ، مما يركز لدى المسلم النبيه و السامع عن الإمامة و الولاية ،أن الحراك الرسالي الإمامي معصوم طاهر، دائم الاتصال بالبصائر القرآنية و العالم بكنهها في كل تفاصيل حياته ، لان الإمام بكله يعبر عن الإسلام الحقيقي ... و الله من وراء القصد

(*) كاتب و باحث إسلامي

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

geraibii

من مؤلفاتنا