المتلاعبون بالحقائق

yaseriالمتلاعبون بالحقائق

قراءة في دور الإعلام المضلل في قلب الحقائق الحسينية

سماحة الشيخ ياسر الصالح*

إن الدارس لثورة الإمام الحسين (ع) وامتددها في التاريخ، لابد أن يثيره تساؤل مهم وهو: كيف أن الأمة التي كانت للتو ترى النبي (ص) يحمل الحسين(ع) على كتفه، و يقول : (أحب الله من أحب حسيناً)، كيف انقلبت عليه؟ وخذلته بل وقتلته وسبت نسائه؟ وكيف استطاع الأمويون ترويج إشاعات كاذبة مثل : أن الحسين قُتل بسيف جده؟.. ثم كيف تم تغيب الحقائق إلى يومنا الحاضر عن شريحه كبيرة من الناس؟

 

.

ان التوقف عند مثل هذه التساؤلات يقودنا إلى أبحاث معمقة تتعلق بجملة من القضايا السياسية والاجتماعية و الثقافية و التي لها علاقة بحراك المجتمع و من يقوده، ولعل في الإجابة عنها نجد جوانب متنوعة، ولكن هنالك جانب وبُعد مهم جداً له نصيب الأسد في التأثير، وقلب الحقائق، وهذا البعد يستدعي منا التوقف عنده، ودراسته بعمق، وتحليل مختلف حيثياته .. وهو الجانب الاعلامي السلبي و الذي يطلق عليه اسم التضليل الاعلامي.

هيمنة الإعلام ودوره المأثر:

ليس الإعلام كما يتصور البعض مجرد صحيفة تصدر هنا، أو خبر يًنشر هناك، بل هو شيء أكبر من ذلك بكثير، فهو جملة من العمليات التي تؤثر على حركة المجتمع، وتؤدي إلى صياغة رأي عام ذو إتجاه مرسوم ومحدد سلفاً، فهو يعمل على تغيير الثوابت لدى الرأي العام، و رسم إتجاهات جديدة تخدم سياسات مبرمجي وسائل الإعلام، وهيلكة العقول وبناء أنماط تفكير معينة لدى الجماهير المستهدفة، وبالتالي سوقهم نحو سلوك مخالف لما يريدون القيام به أصلاً، بل وربما يكون ذلك خلافا لمصلحتهم .. يقول (جور فيدال): " تكمن العبقرية المرعبة للنخبة الاعلامية و السياسية الامريكية منذ البداية في قدرتها على غقناع الشعب بالتصويت ضد أكثر مصالحه أهمية". وكذلك يقول (ماك كويل) عالم الاجتماع المتخصص في الاتصالات الإعلامية: ".. السياسة مثال مناسب لدراسة تأثير وسائط الإعلام، فلربما أثرت وسائط الإعلام ليس على الآراء السياسية للفرد فحسب، بل وعلى الطريقة التي تدار بها السياسة، وعلى طريقة تنظيم نشاطاتها الرئيسية." ومن هنا تأتي أهمية الإعلام لكونه وسيلة مباشرة للتأثير على عقول البشر، والسيطرة عليهم، وبالتالي تحديد سلوكياتهم، و ردود أفعالهم بغض النظر عن كون هذه السيطرة سيطرة ايجابية أو سلبية.

أساليب استعمار البشر:

يقول الباحثون وعلماء النفس إن هنالك عدة أساليب يمكن من خلالها السيطرة على البشر، و دفعهم نحو القيام بسلوكيات خاصة و مخالفة في كثير من الأحيان لرغباتهم، ومصالحهم، ولعل أهم هذه الأساليب هي:

1- التخويف ونشر الرعب: وهو أسلوب يؤدي بالفرد إلى الطاعة العمياء خوفاً على مصلحته تارة، أو على حياته تارة أخرى، وغالباً ما يستخدم هذا الأسلوب الحكام الذين يحكمون بالحديد والنار.

2- الترغيب بالمال و المصالح: وهذا الأسلوب بخلاف سابقه يعتمد على الاغراء و الترغيب، فهو يقدم للناس منافع سواء مادية عينية، أو منافع معنوية في مقابل قيامهم بأعمال معينة.

3- تضليل العقول: وهو أخطر أساليب السيطرة، إذ أنه يعمد إلى العقل فيسطر عليه بطريقة لا يُشعر بها، ومن نتائجه الخطيرة أنه يوفر هيمنة مستمرة على العقول دون أن يشعر الإنسان بذلك، وهذا الأسلوب -بخلاف الاسلوبين السابقين- يكون الشخص فيه في أغلب الأحيان جاهلاً لكونه مغرراً به، ومنقاداً دون أن يشعر، ذلك أن "التضليل يكون ناجحاً عندما يشعر المضللون بأن الاشياء هي على ما هي عليه من الوجهة الطبيعية والحتمية .. و لكي يؤدي التضليل دوره بفعالية أكبر لابد من إخفاء شواهد وجوده .. " كما يقول (هربرت أ.شيللر)  في كتابه المتلاعبون بالعقول.

و بملاحظة هذه الأقسام الثلاثة نرى أن الذين جاؤوا إلى كربلاء لمحاربة الإمام الحسين(ع) ينطبق عليهم أحد الأساليب الثلاثة، فهنالك من جاء خوفاً من يزيد وبطشه، وهنالك من جاء طمعاً في مال ومنصب، و هنالك قسم ثالث و هم المضللون .

 

التضليل الاعلامي..  تلاعب بالحقائق:

التضليل الإعلامي هو مجموعة من العمليات الممنهجة للتأثير على الرأي العام، أو فئة من الناس، بقصد إعادة برمجة عقولهم وتوجيهها نحو هدف سياسي، أو اجتماعي، أو ثقافي معين، وبالتالي خلق واقع مزيف ومغلوط ومقنع بما فيه الكفاية، وذلك بهدف إيقاع المتلقي في الخطأ، بينما هو يفكر بشكل صحيح، ومن أهم قواعد التضليل هي اكتسابه مظهر الصدق وكسب ثقة المتلقي المراد اقناعه. وهنا يشير سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي دام ظله في كتابه التاريخ الإسلامي إلى الجهود التي تُبذل لإخفاء حقائق التاريخ و وتزيفيه، و تجزئته، ومنع الناس من فهم التاريخ بشكل سليم، وهو يدعو إلى قراءة جديدة للتاريخ تحاول إستقاء التاريخ من مصارده الصحيحه، وربط وقائعه مع بعضها البعص.

وعادة ما يعمد المضللون في الإعلام إلى تأسيس "قاموس مصطلحات إعلامي" يتناسب مع المرحلة والأهدف الموضوعة، ولذلك تصاغ المصطلحات بدقة وتُنحت بشكل يحقق الغايات، والأهداف لغزو العقول، والقلوب، وإعماء الرأي العام، وتوجيهه إلى الغاية الإستراتيجية المطلوبة، ويتم العمل على ترويج هذه المصطلحات بشكل واسع لتصبح بعد حين أمراً واقعاً يُؤثر في إتخاذ الناس للقررات ومن هنا يتضح لنا أن التضليل قائم على التأثير على العقل بغض النظر عن اتخاذ أسلوب علمي في التأثير، أو عاطفي.

ولا يُلجأ إلى التضليل إلا في المجتمعات التي تتميز بالحراك سواء الاجتماعي، أو السياسي، أو الثقافي، فلا حاجة لتضليل الشعوب الخانعة والراضية بواقعها.. "فالحكام لا يلجأون إلى التضليل الإعلامي إلا عندما يبدأ الشعب في الظهور – ولو بصورة فجة- كإرادة إجتماعية في مسار العملية التاريخية، أما قبل ذلك فلا وجود للتضليل – بالمعنى الدقيق للكلمة – بل نجد قمعاً شاملاً. إذ لا ضرورة هناك لتضليل المضطهدين عندما يكونون غارقين لآذانهم في بؤس الواقع" كما يقول (باولو فرير)

التضليل الاعلامي وتشكيل وعي المجتمع:

صياغة وعي المجتمعات ركيزة أساسية لصناعة حراك المجتمع، فإذا استطاع الحاكم الظالم صناعة وعي مجتمعي متخاذل عن نصرة الحق حصل بالنتيجة على مجتمع يُجبّن كل واحد منه الآخر، ويتقاعس أفراده عن النهوض، ويتثاقلون إلى الأرض حسب التعبير القراني. أما إذا استطاع الثوار والأحرار صناعة وعي سليم في المجتمع، استطاعوا أن يحصدوا حراكاً اجتماعياً واعياً يتحمل فيه أفراد المجتمع مسؤولياتهم دون تقاعس أو تبرير .

لذلك يعتبر تشكيل الوعي المنحرف  في المجتمع من أهم أهداف المضللين، و قد عمد الباحثون والدراسون على وضع مجموعة من النظريات، والأسس التي تساعد على تشكيل وعي المجتمع، وهنا نذكر تقنيتان لتشكيل الوعي يذكرهما (هربرت أ.شيللر) في كتابه المتلاعبون بالعقول:

1- التجزيئية بوصفها شكلاً للاتصال:

تقوم تقنية التجزيء على حصر الأحداث والوقائع في بؤر صغيرة، وتقطيع ارتباطاتها مع باقي الأحداث مما يجعل المتلقي يتصرف مع كل حدث على كونه كيان مستقل بذاته، دون أن يبحث عن الجذور، والأسباب التي أدت إلى حدوثه، أو يبحث عن النتائج التي قد تترتب عليه، لذلك يعمد صناع الإعلام اليوم إلى بث مجموعة كيبرة من الأخبار المتناثرة هنا وهناك، مركزين على الخبر بما هو خبر دون التطرق إلى أي بُعد من أبعاده، فعلى سبيل المثال: حينما يُطرح خبر انفجار في دولة ما يتم التطرق ألى الحالة التوصيفية للخبر فقط ( عدد القتلى ، مكان الانفجار ، ... وغير ذلك) دون التطرق إلى الأسباب الحقيقية التي تؤدي إلى تفجر الصراع في المجتمعات مثلاً.

"إن إحدى السمات المميزة للعمل الثقافي القمعي (التضليلي) هي التأكيد على النظرة التي تحصر المشكلات في بؤر بدلا من رؤيتها بوصفها أبعاداً لِكُلٍ واحد" كما يقول (باولو فرير) ، وهنا نلاحظ محاولات كثيرة لتجزيء الثورة الحسينية، و التعامل معها على أنها أجزاء متناثرة، ليس بينها ترابط، بل العمل على فصل الترابط القائم بين ثورة الإمام الحسين(ع) وبين الرسالات السماوية و إلغاء فكرة كون الثورة الحسينية امتداد طبيعي لدعوة النبي (ص)، وهذا يؤدي إلى عزل كل حدث في الثورة في زاوية محددة، وعدم السماح للناس بربط الأحداث مع بعضها سواء الأحداث التي سبقت الواقعة، أو الأحداث التي تلت الثورة وهنا نضرب عدة أمثلة:

  • · الترويج تاريخياً إلى أن الثورة الحسينية مرتبطة بصراع وقتي على السلطة بين الإمام الحسين(ع) و يزيد بن معاوية، وأن الإمام الحسين(ع) كان يريد استرجاع السلطة التي هي من حقه، وهذا أدى إلى حدوث حرب صغيرة قُتل على اثرها الحسين(ع) ومن معه، وبقي الحكم لدى يزيد، وهذا هو ما يُروج في كتب التاريخ التي تدرس في المدارس و الجامعات ( وهذا ما رأيته في مجموعة من كتب التاريخ للدول العربية) فيقال: إن ثورة الإمام الحسين(ع) هي كباقي الحركات المتنثارة هنا وهناك والتي يهدف أصحابها الوصل إلى السلطة، ولذلك نرى أن الإمام الحسين(ع) اهتم كثيراً في تحديد أهداف نهوضه وثورته، كضربة استباقية لمن يحاول حرف الثورة عن مسارها الصحيح، ولعل كلمته سلام الله عليه ( اني لم أخرج اشراً ولا بطراً وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي ...) هي من أوضح كلماته التي تبين أهداف ثورته.
  • · تعامل وسائل الاعلام في الزمان المعاصر مع عشوراء على أنها ذكرى تاريخية مرتبطة بمجموعة صغيرة من البشر متناثرين هنا وهناك، يحيونها مرة في العام كباقي المناسبات التي تحيها المجتمعات البشرية على اختلاف عاداتها و تقاليدها، دون التطرق إلى أبعاد هذه الذكرى، وأسباب التمسك بالإحياء السنوي، والابتعاد عن كثير من الأمور الأساسية، وشغل الرأي العام بجملة من الجزئيات الصغيرة، واخفاء الحقائق الكبيرة، التي تقف خلف هذا الإحياء السنوي العظيم.
  • · اشغال الناس في جزئيات صغيرة وابعادهم عن المضمون العميق للثورة، فينشغل الناس مثلا بنقاش حول حلية شعيرة ما وحرمتها، أو بصراع حول مكان إقامة العزاء أو نوعية الطعام المقدم، وغير ذلك مبتعدين عن المضامين العظيمة لهذه الثورة فينشغلون بالقشور و يتركون اللب.

 

2- فورية المتابعة الاعلامية:

وهي من التقنيات المهمة في تشكيل الوعي حيث يعمد ساسة الإعلام إلى خلق ثقافة مجتمعية عامة تركز على أهمية المتابعة الفورية للمعرفة و الأخبار، دون الاهتمام بالتفاصيل، ومن ثمَ فتح المجال أمام تدفق سيل كبير من المعلومات يتميز بالتسارع، و يجعل المتلقي في حالة ذهول ، مما يجعل ردة فعله متأخرة أو معدومه " ويساعد هذا الطابع الاني اللحظي على تزايد القوة التضليلية لأجهزة الإعلام، ذلك أن المادة الإعلامية سريعة الزوال لا تخلف وراءها أي بنية باقية أو ثابته "

"وترتبط الفورية - و التي تعني تسجيل الأحداث و التعليق عليها فور وقوعها- ارتباطاً وثيقاً بعملية التجزيء، بل و تشكل في الواقع عنصراً ضرورياً من عناصر وجودها" وهكذا تتحول الأحداث إلى سلع تباع و على المتلقي الحصول على السلعة طازجة قبل أن تصبح خبراً بائتاً .. و تكمن الخطورة في هذا النوع من الترويج في كون المتلقي -ونتيجة للسيل المتدفق من المعلومات- لا يملك الوقت الكافي للتحليل، و للتعامل مع الأحداث وتسجيل المواقف، وتبقي الأحداث في ذهنه قطع متناثرة لا ربط بينها أبداً . ومن الأمثلة على ذلك:

  • · تارخياً نرى أن الحزب الأموي حاول شغل الناس بتعدد الأحداث في واقعة كربلاء وتلاحقها، فبعد مقتل الإمام الحسين(ع) وأصحابه حاول مباشرة الانتقال إلى حدث آخر و هو تسيير مواكب السبي في الأمصار، وشغل الناس بأفراح مصطنعة، وهو ما يطلق عليه اسم (نظرية التأثير الانتقائي)، ومن ثم شغل الناس بأحداث كبيرة آخرى بعد واقعة كربلاء كاقتحام المدينة، وضرب الكعبة، في محاولة منهم للتغطية على حدث كبير كقتل الإمام الحسين(ع)

 

أساليب التضليل الاعلامي:

لأن التضليل يعمل على قلب الحقائق وتزيفها، و يحاول أن يسيطر على العقول، لذلك فهو ليس عملية سهلة، ومن هنا نرى أن الممارسيين للتضليل الإعلامي يبحثون عن أفضل الأساليب التي توصلهم إلى أهدافهم المنشودة، ويحاولون اختيار الأسلوب الأنجح مع كل مجتمع، وكل زمان، ونحاول أن نتطرق إلى بعض الأساليب المستخدمة في التضليل الإعلامي:

1-      ترويج الشائعات: تعرف الشائعة - كما في موسوعة علم النفس- أنها عبارة عن خبر أو قصة أو حدث يتناقله الناس بدون تمحيص أو تحقق من صحته, وغالباً ما يكون مبالغاً فيه بالتهويل. ولأن الناس عادة ما تحب نشر الأخبار و تناقلها لذلك يكون ترويج الشائعات أمراً يسيراً، وهو أسلوب شائع خاصة أثناء الحروب، فنحن نرى أن أعداء الحسين(ع) نشروا مجموعة من الشائعات سواء خلال الثورة او بعدها و منها:

  • · الترويج بقدوم جيش الشام الجرار إلى الكوفة في الفترة التي كان مسلم بن عقيل فيها، وكان الناس قد التفوا حوله، وقد أثمرت هذه الشائعة – مع جملة من الأساليب الاخرى- في إبعاد الناس عن مسلم بن عقيل و بالتالي عزله وقتله من قبل الأمويين.
  • · اشاعة أخبار كاذبة تمس الإمام الحسين(ع) بشكل مباشر من قبيل أن الإمام سلام الله عليه لم يكن يصلي كما اشاعوا من قبل عن ابيه الإمام علي(ع) أنه لم يكن مقيماً للصلاة لدرجة أنه حينما قُتل في محراب الصلاة، تسائل الناس وهل كان علي(ع) يصلي ؟؟..
  • · وفي زماننا الحاضر تم نشر جملة من الشائعات التي تتعلق بالشيعة وبإحياءهم لذكرى عاشوراء في محاولة للاستنقاص منهم ومن هذه الذكرى .

2- الكذب و التحريف: الكذب هو مخالفة القول للواقع، و التحريف هو التغيير و التبديل، فتارة يعمد المضلل إلى اختلاق واقعة لا وجود لها فهذا نوع من أنواع الكذب وتارة يلجأ إلى واقعة موجودة فيقوم بالتغيير والتبديل فيها بما يغيير المعنى وهذا نوع من أنواع التحريف، ويعتبر التحريف أكثر خطورة من الكذب، إذ أن الكذب قد ينكشف لانه لا اساس له من الصحة، إلا أن التحريف يعتمد على واقعة أو قول موجود، وإنما حصل فيه تغيير مما يؤدي إلى حصول لبس وتشويش في ذهن المتلقي فيعجز عن معرفة الحقيقة، ومن أمثلة الكذب و التحريف:

  • · تحريف جملة من الاحاديث النبوية التي تمتدح أهل البيت(ع)، و إسناد فضائلهم إلى غيرهم، إضافة إلى اختلاق أحاديث لا أساس لها من الصحة، من قبيل الأحاديث التي وضعت على لسان النبي(ص) و التي توجب طاعة ولي الأمر سواء كان براً أو فاجر، في محاولة لتستر على أخطاء بني أمية، وتجريم من يحاول القيام في وجههم، وهكذا حاولوا وصم الإمام الحسين بجملة من التهم المعتمدة على هذه الأحاديث الملفقة، من قبيل أن الحسين(ع) خارجي، وقد قُتل بسيف جده (ص)،  يقول ابن تيمية: "أن الحسين بثورته هذه  قد أحدث فتنة في أمة الإسلام بخروجه عن طاعة ولي أمر المسلمين" .
  • · تبرئة يزيد من دم الإمام الحسين (ع): يقول ابن تيمية: "إن يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق".

3- التعتيم: وهو الإخفاء و التستر، و هو من أساليب التضليل الشائعة، إذ يعمد المضللون إلى إخفاء الحقائق عن الجمهور، كي لا يتأثروا بها في محاولة للهروب من التأثيرات المتوقعة لو علم الناس بهذه الحقائق، ومن أمثلة ذلك:

  • · اتفاق القنوات العربية على عدم تغطية شعائر أربعين الإمام الحسين(ع) بعد الضجة الكبيرة التي حصلت في الأربعين الذي جاء بعد سقوط الطاغية صدام، و الأثر الكبير الذي تركه في نفوس وعقول الملايين، وهذا ما دفع هذه القنوات إلى اتخاذ قرار بالتعتيم وعدم نقل أي شيء له علاقة بإحياء ذكرى الإمام الحسين(ع) إلا أنها تضطر بين الحين والآخر للنقل في حوادث تقع كاالانفجارات.
  • · إخفاء الكثير من حقائق التاريخ وبالاخص المتعلقة بثورة الإمام الحسين(ع) عن الجمهور واخفاء جرائم يزيد وبني أمية.

 

4- التلاعب بالكلمات: وهو من الأساليب المهمة خاصة في زماننا الحاضر، ونقصد به صياغة كلمات إعلامية معينة تعبر عن أحداث واقعة، و ادخالها في قاموس المصطلحات، وهذه الكلمات تحمل ظلالاً سلبية في الغالب، أو قد يعمد المضللون إلى التلاعب بالكلمات وصياغتها لايصال رسائل خاطئة ومن أمثلة ذلك:

  • · التلاعب في عناوين الأخبار: وهو أسلوب شائع تحاول كل جهة من خلاله إبراز ما تريد ابرزاه، وإخفاء ما تريد إخفاءه، إضافة إلى إيصال الرسالة التي تؤمن بها، ومن أمثلة ذلك ما تقوم بنشره عادة وكالات الأنباء عن إحياء ذكرى عاشوراء، حيث تتعمد نشر ارقام أقل من الواقع بكثير وتحصرها بدول معينة مثل العراق وايران، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها ما نشرته قناة العربية قبل عدة أيام عن إحياء عشوراء في البحرين تحت عنوان: "البحرينيون الشيعة يستوردون الحزن والبكاء من العراق" لتوحي إلى المتلقي من خلال العنوان أن إحياء ذكرى عاشوراء طارئ على شعب البحرين، وأن الإحياء مقتصر على العراق، في محاولة فاشلة للتقليل من حجم إحياء ذكرى عاشوراء في العالم بشكل عام وفي البحرين بشكل خاص.

 

السلبية.. أهم أهداف التضليل:

حينما ينجح التضليل في مجتمع ما فإن السلبية الفردية و الاجتماعية تتفشى فيه و السلبية هي " حالة القصور الذاتي الذي تعوق الفعل .. " وتدفع الفرد أو المجتمع إلى حالة من الرفض للتغيير و التطوير، وتشيع حالة من التبرير لكل شيء بهدف الهروب من تحمل المسؤولية، و"السلبية تعزز وتؤكد الابقاء على الوضع القائم، وتتغذى السلبية على ذاتها مدمرة القدرة على الفعل الاجتماعي الذي يمكن أن يغير الظروف التي تحد من الإنجاز الانساني" .

وهذا النوع من السلبية يؤدي إلى شلل في المجتمع، ويعيق تقدمه، أو تطوره في مختلف مجالات الحياة، سواء العلمية و الثقافية منها، أو حتى السياسية، وقد حاول أعداء الثورة الحسينية العمل بكل ثقل لإشاعة حالة السلبية، ومحاولة إبعاد الناس عن الإرتباط الحقيقي بمفاهيم وقيم الثورة الحسينية، و التي تؤدي إلى إحداث ثورة عارمة على كل أصعدة ومناحي الحياة لو تمسك الناس بقيم الثورة الحسينية.

 

مواجهة التضليل الاعلامي:

يقول القانون الفيزيائي الذي وضعه نيوتن: "لكل فعل ردة فعل تساويه في المقدار وتعاكسه في الاتجاه" وهذا القانون يمكن تطبيقه في الكثير من مناحي الحياة، وهنا في موضوع التضليل الإعلامي للثورة الحسينية لكي نستطيع مواجهة الهجمة الشرسة، و السياسات المبرمجة العاملة على تضليل الرأي العام، لابد أن يكون لنا على أقل التقادير فعل يوازي الفعل الذي يقوم به المضللون، إن لم يكن أكثر، لذلك مطلوب اليوم من الأمة الإسلامية أن تحدث نهضة إعلامية كبيرة، تعتمد على العقل، و تستغل كافة الوسائل الإعلامية المتاحة، و التقنيات المتطورة، للوصول إلى أكبر شريحة ممكنة، و نقل القضية الحسينية إلى العالم نقية صافية بعيدة عن التزوير و التحريف و التضليل، و هذا يتطلب تظافر الجهود من كافة أبناء الأمة من علماء، و مثقفين، و كوادر رسالية عاملة، و تجار، إضافة إلى عامة الناس،  لنوصل مشعل النور الحسيني إلى العالم أجمع، ونحمي هذا المشعل من محاولات إطفاء نوره.

ــــــــــــ

عالم دين من البحرين.

yaser

من مؤلفاتنا