إنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى

 بقلم: الشيخ حسين الخشيمي* koshime

 

الرسل والأنبياء هم من تجليات رحمة الله، فبهم أراد الله تبارك وتعالى هداية الإنسان من الضياع والحيرة في الحياة الدنيا، ومهما وصل الإنسان إلى مراحل متقدمة من العلم يبقى بحاجة إلى من يهديه إلى الطريق الأسلم ويجنبه الانزلاق إلى المهاوي.

.

يقول ربنا : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (الجمعة /2)، إذن؛ الهداية من ابرز أهداف الرسالات الإلهية، وتشير الآية الكريمة إلى الحالة الأخرى: "لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ"، ويتجسد ذلك في إنقاذ الإنسان من الضلال وإشراق نور ورحمة الله عليه.

فماذا تعني الهداية ؟ وكيف نحصل عليها؟

الهدى في اللغة كما جاء في لسان العرب "ضدّ الضلال وهو الرَّشادُ، والدلالة"، حيث يقال لمن أرشده الله، قد هداه الله إلى الطريق الصحيح، ولكن عندما يتعلق الأمر بإرشاد الإنسان لأخيه الإنسان، فلا نقول: (هديته) أو (هداه فلان...)، بل نقول أرشده، وبين لنا القرآن الكريم أيضاً إن الهدى قد اختص به الله تبارك وتعالى فهو منه وحده، ومصدره واحد من عنده جلّ وعلا، ومن خلال رسوله وكتابه لا غير، حيث يقول ربنا: (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ"، (البقرة/ 120)، ويقول تعالى أيضاً: "لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاء" (البقرة / 272).

إن الهدى هو كل ما تعلق بالله وما صدر منه من تشريعات وأحكام، والتي من شأنها أن تحكم بين الناس بالعدل، وترشدهم إلى الصلاح وتجنبهم الضلال والباطل، وما سبب مبعث الرسل إلى الخلق إلا ليحكموا بينهم بالعدل، وليطهروا أنفسهم ويعيدوهم إلى فطهرتهم التي فطرهم الله عليها وهي توحيد الخالق جل وعلا، وتلك هي هداية الله إلى الإنسان، وقد نعتقد أحياناً إننا نبلغ الأشياء بأنفسنا أو بتدبيرنا، إلا أنها في واقع الأمر هداية الله ألينا، فذلك الذي يضل الطريق ومن ثم يجد من يدله عليه، إنما هو واسطة وسبب سخره الله لمن ضل طريقه، وكذلك الذي يكتشف أمراً معيناً إنما هو بهدى الله من خلال عقله الذي وهبه الله إليه، يقول تبارك وتعالى: "وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ" (الأنعام /97)، وهي إشارة إلى أن خلق الله من عوامل الهداية بأذنه تعالى، وهي النجوم أو الشمس والهلال والتي يهتدي بها الإنسان إلى الوقت، ولو تأمل الإنسان في خلق الله لأيقن أن كل شيء في الوجود مرتبط به تعالى، وهو من عنده لا من عند البشر، وما هذا التقدم العلمي والاختراعات والاكتشافات إلا من عنده تبارك وتعالى، ونحن نرى عجز الإنسان اليوم رغم تطوره وتقدمه أمام قدرات الله تعالى وتقديراته، فنرى مثلا إن اليابان تقف عاجزة أمام الزلازل والأعاصير التي تضربها بين فترة وأخرى، أو عجز الولايات المتحدة أمام الأزمات الاقتصادية المستمرة!! والتي أصلها ابتعاد الإنسان عن هدى الله.

أما طريق الحصول على الهداية، فهو كل شيء مرتبط بالله ارتباطاً مباشراً، وكل ما جاء به النبي الأكرم محمد (ص) ومن بعده الأئمة الهداة (ع)، فالقرآن هدى للبشرية: "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا" (الإسراء /9). فالقرآن الكريم كان السبب الرئيسي في هداية البشرية، وإتباعه والتمسك به يضمن للإنسان الهدى من الضلال، كذلك إتباع الرسول (ع) وأهل بيته (ع) الذين فرض الله علينا طاعتهم، فهم المفسرون لأحكام الله ولكتابه، والذين بهم تكتمل منظومة الهداية فهم كما قال نبينا الأكرم (ص): (نحن كلمة التقوى، وسبيل الهدى، والمثل الأعلى، والحجة العظمى والعروة الوثقى).

وعليه لابد للإنسان أن يجتهد في التمسك بالهدى، وطلبه من مصدره الحقيقي، ولنعلم أيضاً أن هدى الله لن يأتي إلا بعد أن يقرر الإنسان، ويعمل من خلال التمسك بالقرآن والعترة الطاهرة.

ــــــــــــــــــــ

* من العراق

من مؤلفاتنا