من تجاربي: أنا زوجة مَن مِنهما؟؟

abandonment(الفصل الأول)

استيقظت صباحاً ، عند الساعة السابعة ، في يوم من أيام شهر مارس في سنة 2004م ،  فتحت جهاز الكوبيوتر لأتفحّص البريد الإلكتروني ، وكالعادة فإن حذف أغلب الرسائل ذات الطابع الغريب هي المهمّة الروتينية التي أقوم بها ، ثم الإبقاء على الرسائل العادية التي يتّضح من خلالها هوية المرسل وعنوان الرسالة ، لكي لا أبتلى بفايروس يحطّم الجهاز وما فيه ، كما حدث لي ذات مرّة ..

.

بدأت ، بفتح الرسائل الواحدة تلو الأخرى ، وأنا أهمّ باحتساء كوب الشاي الساخن ..

كلِك..

انفتحت الرسالة ..

المرسل : أم محمد ..

الموضوع : استفتاء شرعي.

نصّ الرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم

و الصلاة و السلام على سيد المرسلين محمد

و ال بيته الطيبين الطاهرين

سماحة السيد الموسوي .....

أنا فتاة مسلمة تزوجت من شخص يعيش في بلد أوربي  ، و نتيجة لصعوبة سفري الى البلد الذي يعيش فيه زوجي ، عشت مع اقربائي الذين يعيشون في بلد اوربي اخر ..

و من خلال معاشرتي له لأشهر متقطعة اكتشفت سوء خلقه و بأنه مسخ الى رجل غربي لايهمه الدين او الاخلاق ، يعاشر نساء الغرب زنى ، ولا يعبأ بالدين ..

و اول ما طلبت منه هو الطلاق .. لأني لا أطيق أن أعيش مع هكذا إنسان ،  ففرح بذلك و لم يهمّه الامر ، لأنه اراد الخلاص مني حتى لا انغص عليه حياته الجديدة ، و لكي لا أذكره بالدين..

و لقد طلّقت منه ، و انا و هو مطمأنين على صحة الطلاق لأعتماده على قريبي الذي ادعى لنا بأنه ملم بأمور الدين و هذا ما اشتهر عنه اي عرف عنه ( اقصد قريبي ) بانه رجل مؤمن ولديه إطلاع على مثل هذه الأمور..

و بما ان طليقي غير ملم او مهتم بأمور الدين اي كان جاهلا  ، و انا كذلك كنت جاهلة و لااعرف بأمور الطلاق غير القليل و على الرغم من ان الطلاق تم عن طريق الهاتف لان طليقي يعيش في بلد و انا في بلد آخر كما قلت سابقاً ،  لكن قريبي تكفل بأفهام زوجي السابق صيغة الطلاق وتم الطلاق عن طريق الهاتف كما قلت.

و بعد سنه تزوجت من رجل ثاني مؤمن غيّر حياتي بعد ان كنت اعيش على المهدئآت فتحولت خلال السنتين التي قضيتها معه الى امرأة تنشد دين الله كاملا و تستغفره طائعة مؤدية للفروض و المستحبات دؤوبة على سماع المحاضرات ..

و هنا حدثت الكارثة..

فعند استماعي لأحدى المحاضرات استشكلت بأمر الطلاق من الزوج الأول لانني فهمت من المحاضرة انه يجب ان يكون الشاهدان في نفس الزمان و المكان ، و ما عرفته من قريبي بأن طليقي اتصل به و قرأ عليه صيغة الطلاق بوجود زوجة قريبي يعني الشاهد هنا رجل و امرأة ، ثم عاد طليقي و اتصل بعد دقيقة ليشهد رجلٌ آخر بالطلاق ...و هنا اختلف الزمان و المكان للشاهدين.

والآن وبعد أن تشوش تفكيري ، و استشكلت في صحّة الطلاق الأول ، قمنا أنا وزوجي الثاني بالتفاهم والإنفصال المؤقّت ، فلم نعد نعيش كزوجين ..

وقد عرفت بان هذه العلاقة إذا لم يصح الطلاق الأول تعد وطئ شبهة لا معصية فيها ، لجهلي ، وجهل الزوج الأول بصيغة الطلاق الصحيحة ..

المشكلة الان مع الزوج الثاني فما الذي يجب فعله ؟؟

فإني متعلقة به بشكل كبير وأحبّه بعمق ، و انا لا استطيع ان افارقه وانتم تعرفون ظروف الحياة الصعبة في اوربا وكذلك لايوجد لي اي معيل هنا.

سؤالي :

هل يحق لي العودة الى الزوج الثاني الذي و طأني شبهة جاهلا بالأمر ، مثلما انا ايضا كنت اجهل الامر؟؟

ارجوكم ساعدوني لاني امر بظروف هي حياة او موت لأن مسألة تحريم عودتي لزوجي الثاني هو كحرماني من الحياة لاستحالة عودتي للأهل لاني اقيم الان في بلد اوربي ، وليس لي أحد إلا الله وهذا الرجل..

اغيثوني اقسم عليكم بالله و رسوله الا انقذتموني فليس لي باب اطرقه غيركم ادام الله بقائكم و حفظكم المولى عز و جل.

خادمتكم

ام محمد

*************

وقفت على قدميَّ في حالة توتّر .. وشفقة  في آن واحد ، فإني أعلم أن الحكم الشرعي في مثل هذه الحالة  إذا كانت صحيحة ، أن الزوج الثاني يحرم عليها مؤبّداً .. بمجرّد أن يكون قد عقد عليها .. لأنها تعتبر امرأة متزوّجة حيث لم يقع الطلاق من زوجها الأول صحيحاً .. أي مازالت على ذمّته ..

وتحرم عليه مؤبّداً ، أي أنها لا يجوز أن تتزوّج منه على الإطلاق ، وعلى مدى الحياة .. تأثرت لحالها كثيراً ، فليس لها من أحد في بلد غربة ، ووقعت ضحية جهل جاهل بأحكام الله تعالى ..

مالعمل ؟

تجول الأفكار في خاطري ، وتصطدم ببعضها .. وقد بدا لي أن أصنع لي كوباً آخراً من الشاي ..

في المطبخ ..هممت بأخذ الإبريق لأضعه على النار .. استلمت يدا أم سيد هاشم عني المهمّة ، وأكملت إعداد الشاي .. و زوّدته بأوراق النعناع الطازج ..

وقدّمته لي في المكتبة ..

شكراً ، وسلمت يداكِ..

آه .. هذا أفضل ما أحتاجه الآن ، شاي بالنعناع ..

برغم توارد الأفكار في ذهني بشكل غير منتظم .. قرّرت أن الرد السريع لا يجدي نفعاً .. فلابد من التأكّد تماماً مما حصل بالفعل ، فلعل هنالك خلل ما ، أو بصيص أمل يمكن أن يجعل الحكم مختلفاً ، فالأحكام الفقهية دقيقة جدّاً .. ولم يترك لنا الدين من حادثة إلا ووضع لها حكماً ينبغي أن نمتثله ..

كما أن المسألة حرجة ودقيقة ، ولها آثار كبيرة .. فلا بد من الحذر ..

ارتشفت رشفة من الشاي .. وضغطت على زر (رد) على الرسالة ، ليعاد توجيهها من حيث جاءت ..

إلى الفاضلة / أم محمد حفظكم الله تعالى

لقد تلقينا رسالتكِ ، وهي موضع اهتمامنا ، ولكن قبل الإجابة ، أود معرفة المزيد من التفاصيل ، خصوصاً بشأن الشهود ، لأن الشهود لابد أن يكونا رجلين ، حاضرين في نفس المجلس .. وقد ذكرتِ أن الشاهد في الجانب الأول رجل وزوجته ..

وأنا في انتظار توضيحكم ..

متمنياً لكم التوفيق.

محمود الموسوي

كلِك .. (إرسال) الرسالة ..

في هذه الأثناء توجهت لمراجعة المسألة بكل تفاصيلها ، وحاولت استقصاء آراء مختلف المراجع فيها ، فوجدت أن الرسائل العملية شبه مجمعة على أن المسألة إذا كانت بالصورة التي فهمتها ، أي لم يتحق الطلاق بشكل صحيح ، فإنها تحرم عليه مؤبّداً ..

بحثت عن حالة الجهل بالحكم .. أو الجهل بالموضوع ، لم أجد إلا تأكيداً عند البعض ، وعند البعض الآخر من الفقهاء ، لم يذكر هذا الفرض في المسألة ..

ما العمل ؟؟

الأفضل أن أنتظر التوضيح من أم محمد ، لنرى ما يمكن أن أفعله ..

وبعد ست ساعات من نفس اليوم تلقيت توضيح أم محمد ، وكان كالتالي :

اللهم صل على محمد و ال محمد

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

سماحة السيد محمود الموسوي ..

مولانا شكرا لردكم السريع على خادمتكم ... سيدي الفاضل سألتم حول مسألة الشاهدين ...

الشاهدان موجودان و هما قريبي( الشاهد الاول ) الذي اتصل به مطلقي و سمعت معه صيغة الطلاق بعد ان فتح قريبي مكبر الصوت في الهاتف... ثم اتصل مطلقي بعد لحظات بشاهد ثاني في المنطقة التي اسكنها و بلّغه بالطلاق و قد اتصل الشاهد الثاني بنا بنفس الوقت ليؤكد اتصال مطلقي به و تبليغه بالطلاق ايضا.

يعني أن الشاهدين لم يكونا مجتمعين في مكان و زمان واحد حين وقع الطلاق و لكن الشاهد الثاني اكد لنا اتصال المطلق به و ابلاغه بوقوع الطلاق ..

و هنا تكمن المشكلة ..

اذ ان معظم العلماء حسب ما عرفت يؤكدون على اجتماع الشاهدين في مجلس واحد اثناء وقع الطلاق .

و انا من مقلدي ..........  و تعرفون صعوبة الوصول الى  البلد الذي يقطنه ، لاني اعيش في اوربا و الإجراءات صعبة في البلد الذي اعيش فيه مثلما هي في بلدي أيضاً ..

و لقد ارسلت عدة رسائل الى مكاتب المرجع الذي نقلّده ،  و لم اتلق الرد لحد الآن و قسم منها عادت لخطأ في العنوان ، و عندما اتصلت ببعض الوكلاء لم يعطوني جواباً على ذلك ، لأن  هذه من الامور المستحدثة و لذا قمت بمراسلة العديد العلماء وسماحتكم من ضمنهم ..

و بأنتظار ردكم الكريم علينا لنطمأن فلا نريد غير وجه الله تعالى ، و بارقة أمل تعيد الحياة الى اسرة  سعيدة..

و ان كان هنالك اي لبس فأنا مستعدة للأتصال بكم عن طريق الهاتف ...

لان كل دقيقة تمر هي جحيم بالنسبة لنا ، فلو حكم علينا بالحرمة المؤبدة فأين اذهب ،  فليس لي معيل في بلدي مثلما ليس لي احد في الغربة ، و أنا انسانة اعاني منذ ثلاث سنوات من صعوبة في النوم و التنفس و لم تتحسن حالتي الا بعد زواجي الثاني من هذا الانسان المؤمن الذي زرع الايمان الصحيح في داخلي فهل سافقده .. و هو كل ما أملك من حطام الدنيا ..

و استميحكم عذراً ان قلت بأني احبه و متعلقة به و لاأقدر على الفراق ،  و لقد بلغت من العمر 35 سنة و اقسم بالله اني كنت جاهلة بمسائل الطلاق و منها ضرورة وجود الشاهدين بنفس المجلس مثلما كان طليقي الأول يجهل ذلك و اعتمدنا على قريبي الذي ادعى العلم و المعرفة .

و تزوجت بعد سنة من الطلاق و انا مطمأنة كل الاطمئنان مثلما طليقي تزوج من اجنبية و هو مطمأن ايضا .

و بالطبع مثلما قلت في رسالتي السابقة زوجي الثاني يجهل ذلك و يعرف بأني مطلقة لولا اني استذكرت من خلال سماعي للمحاضرة الفقهية و استشكلت في الامر ، فأبتعدنا انا و زوجي عن بعضنا حال الاستشكال ...

و لقد شرحت لكم بقية الظروف في الرسالة السابقة و لا أريد ان أطيل على سماحتكم و اعذروني ان كررت لاني اعيش في دوامة لا يعرفها الا الله ، و اتمنى ان تعينوني على بلواي لا اركم الله بلوى او محنة بحق محمد و ال محمد .

حفظكم المولى عز و جل و اطال عمركم.

خادمة ال البيت و خادمتكم

ام محمد

*******

وصلت الرسالة .. ووضحت المسألة ، بشكلها الأولي .. فالشاهدان لم يكونا في مكان واحد .. اتصل بأحدهم وأجرى صيغة الطلاق ، فوضع السماعة ، واتصل بالآخر ، وأجرى معه صيغة طلاق أخرى .. فهذا لاشك أنه لا يوقع الطلاق .. فهي مازالت ولحد هذه اللحظة زوجة الرجل الأول ، وحمداً لله تعالى أن الرجل الثاني تفهّم من خلال تديّنه بهذه الحالة ، ولم يقترب منها ، ولم يعد يمارس حياته معها كزوج ..

تأكدت من المسألة على رأي المرجع الذي يقلدونه .. فوجدت أنه يرى الحرمة الأبدية على الزوج الثاني ، ولكن احتياطاً وجوبياً .. بمعنى أنه يرى جواز تقليد مرجع آخر في هذه المسألة .. وهذا هو خيط الأمل الذي وجدته ..

فيمكن أن تكون المسألة خلافية بين الفقهاء .. لا بد أن نبحث جيداً ..

أرسلت رسالة إلى الأخت أم محمد ، أخبرتها أنني متابع للمسألة على مدار الساعة ، وسأقوم بإتصالاتي ومراسلاتي لمجموعة من المراجع العظام للحصول على فتوى مغايرة .. كما أرفقت بالرسالة رقم الهاتف الذي طلبوه .. لعلها تريد أن تضيف شيئاً ..

في هذه الأثناء ، بدأت بالخطوة الأولى ، وهي التأكد من أن مرجعها يجوّز لها رجوعها لغيره ، وفيما إذا كانوا يعرفون شخصاً لجيز هذا الأمر ولا يحكم بالحرمة الأبدية ..

بعثت برسالتين الكترونيتين لمكتبين مختلفين من مكاتب المرجع .. واتصلت هاتفياً بأحد أكبر وكلائهم وكان في دولة غربية حينها ..

رن الهاتف .. ألو ..  السلام عليكم

وعليكم السلام ..

سماحة ال.. حفظكم الله ..

نعم تفضلوا ..

عندي مسألة مهمة لو تكرّمتم .. وذكرتها له بشكل سريع ، وأنا أسمع أصوات مختلفة وضوضاء في المكان ..

قال : سأتصل بكم بعد ساعة ، فلدينا الآن مجلس حسيني ، وسأراجع المسألة بشكل أدق ..

خيراً .. شكراً لكم

في أمان الله ..

كان الوقت بداية المغرب ..

وقد كنت تواعدت مع بعض الشباب للذهاب إلى معرض الكتاب الدولي في مركز المعاض ، وبالفعل ذهبنا ، وعند المدخل .. رنّ هاتفي .. وإذا برقم دولي من دولة أجنبية .. قلت للشباب ادخلوا أنتم الآن ، وسأرى المكالمة لأن بالداخل ضوضاء ، ولا يمكن أن أسمع بوضوح ..

ألو .. السلام عليكم

وعليكم السلام ..

من معي.

أنا أبو محمد (الزوج الثاني لأم محمد) التي راسلتك على الإنترنت ..

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. أهلا وسهلاً .. كيف أحوالكم ..

شكرني وأبدى تقديره ، ثم قلت له من الجيد أن أتأكد من المسألة في بعض التفاصيل ، وكذلك أود أن أخبركم عن مسألة التبعيض ، وخطواتي في المسألة ..

وبالفعل بدأنا بالمكالمة بشكل تفصيلي ، هو يتحدّث وأنا أستمع .. ثم أنا أتحدّث عن خطواتي وما ينبغي أن يفعلوه وهو يستمع ..

مرَت نصف ساعة ، وبعدها ربع ساعة أخرى .. وخرج الشباب من المعرض منتهين من تجوالهم .. ومازلت مع أبي محمد في المكالمة الهاتفية عند باب المعرض .. ورجعنا إلى السيارة ..

وفي الأثناء  ، سألته عن أحوال الأخت أم محمد ..

مددت يدي لأفتح باب السيارة ، وتوقفت يدي .. بقيت خارج السيارة لإستمع الجواب  ..

قال : تسلّم عيلك وتعتذر لأنها لم تستطع مكالمتك ، فإنها الآن ترقد في المستشفى ، لأنها أصيبت بانهيار عصبي ..

*******

(الفصل الثاني)

الحالة طارئة جداً .. فينبغي التحرّك السريع من أجل الحصول على آراء المراجع في هذه المسألة ، لكي نرى هل هنالك رأياً يقول ، بأنها لا تحرم عليه مؤبّداً ..

قمت بالإتصال بأحد الأصدقاء من علماء الدين ممن لديه علاقة مباشرة عبر الهاتف بمرجعين ، أحدهما في إيران والآخر في العراق .. وأخبرته بأن يقوم هذه الليلة بالإتصال بالمرجعين ليرى رأيهما ..

بعد ساعة تقريباً .. اتصل صديقي ..

السلام عليكم ، ما هي الإجابات ؟

قال : كلاهما يقولان أنها تحرم عليه مؤبّداً .. و هما يفتيان بهذه المسألة ولا يحتاطان كذلك ..

هنا ، تعقّدت المسألة ، فكنت أخاف أن مرجعهم الوحيد هو الذي يرى الإحتياط ، فلن تكون هنالك فائدة .. مالم نحصل على رأي من أحد المراجع العظام يقول بأنها لا تحرم عليه ..

لجأت إلى مواقع الكثير من المراجع ، وأرسلت لهم المسألة بتفاصيلها ، وعنونتها بـ (استفتاء بالغ الأهمية) ..

وفي انتظار ردودهم ..

هذه الليلة طويلة جداً .. لا أعتقد أن أحداً سيردّ على الاستفتاء ، لأنني أرسلتها ليلاً .. وهي أيضاً مسألة قد تحتاج مراجعة .. لم يكن بيدي إلا الإنتظار .. والدعاء ..

الساعة الثانية عشر ليلاً .. أراجع البريد الإلكتروني من جديد .. لأرى هل من جديد ؟ .. لم أحصل على شيء .. فكّرت في أن أرسل المزيد من الرسائل ، ولكن هذه المرّة إلى مكاتب المرجع الذي يقلدونه ، وأسألهم ، فيما إذا كانوا يعرفون أحد المراجع ممن يجيز ذلك ..

أغلقت الجهاز .. و ذهبت للنوم ..

استيقضت على رنين الهاتف .. اللهم صل على محمد وآل محمد .. التفتّ إلى الساعة ، وإذا بها الثانية ليلاً .. اللهم اجعله خيراً ..

المكالمة خارجية من بلد غربي .. رفعت السمّاعة .. السلام عليكم .. وعليكم السلام ..

أنتم اتصلتم بنا أول هذا الليل ، وكنّا في مجلس حسيني ..

عرفت أنه وكيل المرجع ، رحّبت به ، وسألته عن ماجرى لمسألتنا ..

قال : سماحة المرجع يرى أنها تحرم عليه مؤبّداً ولكن احتياطاً ..

نعم هذا موجود في الرسالة العملية ، ومع الجهل بالمسألة ؟

لا يختلف الحكم .. وتستطيع أن تبعّض لمرجع آخر ..

وهل تعرفون مرجعأً يقول بعدم الحرمة ؟

يوجد مرجع في قم ، يقول بذلك .. تأكدّوا منه .

خيراً إن شاء الله ، شكراً لتفضّلكم بالإجابة علينا ..

أعطاني الوكيل معلومة عامّة أنه يوجد مرجع يقول بذلك ولكن من هو ؟

عدت إلى النوم ..

وفي عصر اليوم الثاني ، استلمت عدّة رسائل من مراجع آخرين ..

الإجابة : في مفروض السئوال تحرم الزوجة على الزوج الثاني حرمة أبدية ، والسلام.

الرسالة الثانية : نفس الجواب من ناحية المضمون ..

المسألة تصعب ، وقد لا يكون لذلك المرجع الذي يقول بالجواز وجود ..

هنالك رسالتان أخريان ..

وهما من مكاتب المرجع الذي يرجعان إليه ،

الأولى : تؤكّد على أنه يجوز الرجوع إلى مرجع آخر في هذه المسألة ..

وهنا لا جديد ..

الرسالة الثانية : تؤكّد على ذلك .. وتقول : أن السيد الفلاني من المراجع يقول بعد الحرمة الأبدية ، يمكنها الرجوع إليه في هذه المسألة ..

ما شاء الله هذه بارقة الأمل ، وبداية الطريق ..

جمعت معلومات عن ذلك المرجع ، وفيما إذا كان مرضيّاً من قبل مرجعهم ، وحصلت على معلومات إيجابية جيدة والحمد لله .. إذا الآن يجوز لهم الزواج من بعضهما مجدداً ..

وأول خطوة فعلتها ، هي أن أجعل العائلة تعيش هذا الأمل معي ، ونعمل بعد ذلك على زيادة الإستيثاق .. فأرسلت لهما رسالة بهذا المضمون ..

*******

في ناحية أخرى من هذا العالم ، في ذلك البلد الغربي .. وفي بيت يتوسّط حديقة جميلة ، توقفت سيارة أجرة على بوابته ، فنزلت السيدة أم محمد منها  بوجهها الشاحب الكئيب ، بعد أن أمضت يومين في المستشفى ..

توقفت برهة من الزمن وهي تحدّق في هذا البيت الذي كانت تسمّيه بيتها ، أما الآن فلا تدري ماذا تسميه ..

تعتبر نفسها ضيفة عليه ..

وتسترجع ذكرياتها السعيدة التي غيّرت مجرى حياتها إلى الأفضل ، ففي هذا المكان تعرّفت على شخصيتها الجديدة ، وهنا تعرّفت على الحياة بكل آفاقها ، وعلى الدين وحلاوته .. هنا وجدت راحتها في أكمل صورتها ، وهذا البيت الدافئ بأسرته السعيدة رغم أنها لم تنجب أولاداً .. وودّعت فيه كل أمراضها ، ورمت بها في بحر النسيان ..

إنها تنظر بعينين مغرورقتين بالدموع ..

يخترق أفكارها صوت من الخلف .. تفضلي ، فهذا البيت بيتكِ .. وأنا الضيف عليه ..

كان هذا أبو محمد ، وكأنه عرف ما تفكر فيه .. تقدّمها حاملاً حقيبتها إلى باب المنزل .. و تبعته أم محمد ..

لم تعرف أم محمد  في حياتها خطوات أثقل من هذه الخطوات .. وهي تنتظر مستقبلاً مجهولاً ..

دخلا البيت كغريبين .. أم محمد تطأ رأسها إلى الأرض .. وأبو محمد كأنه الأكثر حياء ..

استريحي في غرفتك الخاصة ..

سارع أبو محمد إلى جهاز الكوبيوتر ، ليتفحص الجديد في قضيتهما ..

فوجد الرسالة ..

المرسل : محمود الموسوي..

أوه .. يارب اللطف بعبادك .. آمل أن تكون في هذه الرسالة شيئاً من الأمل ..

وبالفعل حصلا على بارقة الأمل ..

فهنالك مرجع يقول بأنها لا تحرم عليه مؤبّداً .. ولكن التريّث أفضل من أجل مزيد من التأكد والإطمئنان ..

انطلق أبو محمد في أسرع انطلاقة له ، وهو الرجل الوقور الهادئ ، إلى باب غرفة أم محمد .. التي كانت تهم بوضع رأسها على وسادتها ..

أم محمد .. أم محمد .. أريدك أن تشاهدي هذه الرسالة ، الحمد لله ، هنالك أمل ..

انطلقت مسرعة ، ناسية وضعها مع أبي محمد ، حيث أنها لم تعد زوجته .. ولكن الخبر أنساها كل شيء .. قرأت الرسالة ، وتلألأ وجهها ، وتورّد من جديد .. وملئتها روح جديدة من النشاط ..  الحمد لله .. الحمد لله ..

وصلّيا صلاة الشكر منفردين .. للخبر السعيد الذي يأملان أن يتأكد ..

ولكن ماذا يصنعون ؟؟

كتب أبو محمد رسالة رد على آخر رسالة ..

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وعلى ال بيته الطاهرين

الحمد لله الاول قبل الانشاء والاخر بعد فناء الاشياء

وبعد....

سماحة السيد محمود الموسوي حفظه الله

السلام عليكم مولاي الفاضل ورحمة الله وبركاته حقيقتة يعجز اللسان عن شكرك فانت المتفضل بعد الله سبحانه وتعالى .. بعد ما اوليت مسألتنا اهتمامك وجسدت بذلك ما أوصى به النبي الاكرم صلوات ربي عليه والائمة صلوات ربي عليهم اجمعين من الاهتمام بشؤون المسلمين ورعايتهم وعمل كل ما في الوسع لمساعدتهم فلك المنة بعد الله سبحانه الذي ابتلانا ..

ونسال الله ان نكون اهلا لهذا الابتلاء وان نكون قد صبرنا الى مايحب ويرضى انه سميع مجيب فحفظك الله يامولاي الفاضل وسدد خطاك وجازاك الله عنا كل الخير..

نشكرك على هذا النبأ الكبير .. فلقد دبّت الحياة في خادمتكم أم محمد من جديد .. ونحن أيضاً ..

ونحن في انتظار تأكيداتكم على أحر من الجمر..

تحياتي ودعواتي لكم بالتوفيق ..

خادمكم أبو محمد .

**********

أستلمت الرسالة ، وبعثت برد عليها ، كان محتواه أن الشكر لله وما هذا إلا واجب علينا أن نقوم حال استطاعتنا ، و هو توفيق من الله عز وجل .. وأنا في انتظار ردود بعض المراجع الآخرين أيضاً ، والتأكد من نفس المسألة السابقة ..

في اليوم التالي ، فقت من النوم باكراً .. ولكن لم يكن هناك جديد في البريد الإلكتروني من مكاتب المراجع ، ولكن هناك رسالة من أبي محمد أيضاً ..

يقول فيها أنه تعرّف من خلال أحد المنتديات على أحد العلماء ، وقال إليه أن مرجعه الذي يرجع إليه ، وهو مرجع آخر .. لا يرى الحرمة الأبدية أيضاً .. فأرسل الرسالة يسألني عن مدى الوثوق بها المرجع ..

بعد أن أنهيت قراءة الرسالة .. قلت في نفسي ، يا سبحان الله ، إن هذه الأسرة منقادة بالفعل إلى الله تعالى ، ولا يطلبون إلا رضاه عز وجل .. فبرغم ما أصابهم من بلاء ، إلا أنهم يتوخون الحذر في أدق الأشياء .. حتى لو كانت خلاف مصلحتهم ، وخلاف مشاعرهم .. فالأصل هو رضا الله تعالى ..

وهذا أهم ما تعلمته من هذه التجربة ..

الحمد لله .. نقلت لهما معلومات حول هذا المرجع ، وهو بالفعل من مراجعنا العظام الذين تبرأ الذمة باتباعهم. وأخبرته أن يطلب من الصديق أن يزوّده بالجواب مخطوط من المرجع نفسه ، مادام هو من المقربين .. لكي نطمئن أكثر..

و بعد الظهر ، فحصت البريد من جديد .. لأجد رسالة من مكتب مرجع آخر .. يقول فيها : لا تحرم الزوجة عليه ، ولكن هي الآن زوجة الأول ، ولابد من إجراء صيغة الطلاق من جديد ، ثم تعتدّ عدّة الطلاق .. وتعود لتتزوّج الثاني من جديد.

وفقكم الله.

الحمد لله ، هذا تأكيد ثان من مرجع آخر ، وهو معروف لديهم أيضاً .. سارعت في إرسال الجواب إلى أبي محمد وأم محمد ..

وجاء الجواب ليلاً ..

بعد السلام والتحية والشكر ..

الحقيقة رسالتك جاءت متضامنة مع وصول فتوى سماحة المرجع الذي أخبرتك عنه حفظه الله وادام ظله وكانت وافية وشافية  أيضاً .. وسوف ارفقها لسماحتكم حتى تتطلعوا عليها.. والحمد لله على التأكيدات التي تطمئن القلب ..

و رب ضارة نافعة كما يقولون فأننا في هذه المحنة قد مّن الله علينا ان نتعرف على احد ابناء رسول الله صلوات الله عليه فهذا هو الشرف بعينه فنحمد الله على هذا الفضل وعذرا بانني استعملت مثل رب ضارة نافعة وحاشى لله ان تاتي منه جل جلاله الضارة لعبادة ولكن الامثال تضرب ولا تقاس..

مولاي الفاضل لي الشرف ان ابقى في تواصل مع سماحتكم اذا لم يكن لديكم مانع وانا هنا بالخدمة لاي شيء وان لاتنسانا بدعائكم الكريم وربما يجمعنا يوم عند سيد الاحرار مولانا ابي عبد الله الحسين بعد ان تنفرج الغمة عن امة محمد صلوات الله عليه وعلى ال بيته الطاهرين بفرج مولانا وامامنا صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف وجعلنا من المحاربين تحت لوائه المستشهدين بين يديه طائعين غير مكرهين انشاء الله رب العالمين في الختام تقبل تحيات اختكم وخادمتكم ام محمد وتحياتي ودعائي لكم بالتوفيق ..

خادمكم

ابو محمد

وأرسلت أم محمد بدورها رسالة أخرى ..

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

و الصلاة و السلام على سيد المرسلين محمد و على ال بيته الطيبين الطاهرين المطهرين.

لكم من الله الأجر الجزيل و تقبل الله منكم و منا صالح الاعمال بحق محمد و ال محمد .

مولانا الفاضل حفظكم الله و رعاكم :

اللسان يعجز عن وصف لطفكم و انسانيتكم و قبل هذا و ذاك ايمانكم و بحثكم عما يرضي الله سبحانه و  تعالى .. فمن خلال تجربتي هذه انصدمت صدمة قوية عندما رد علي بعض الفضلاء الوكلاء من حيث  قسوة  و غلظة الرد ( اللهم اني لا اريد ان اغتاب شخصا معينا ) لكنها الحقيقة و نحمد الله بمعرفتكم ففضلكم  من بعد الله سبحانه و تعالى اعاد لنا البسمة بل الحياة لاسرة لا تريد غير رضا الله و رضا رسوله و ال بيته الاطهار ..

و مهما قلت و اسهبت فاللسان يعجز عن شكركم و لاامتلك غير الدعاء لكم في دبر كل صلاة و خاصة صلاة الليل ، بان يمن عليكم بالفتح المبين دائما و ينصركم و يعافيكم و يحفظكم من كل سوء او شر و يحفظ العائلة الكريمة بحق المصطفى و آله الاخيار .

وتقبلوا مني أحر التحية والتقدير ..

خادمتكم أم محمد.

حمداً لله تعالى ..على التوفيق ..  الآن أمامهما إجراءات مهمّة .. أن تطلق من جديد من زوجها الأول ، وهو في بلد أجنبي آخر .. فهل تجده ، وهل يقبل بأن يطلقها ، وهل تستطيع أن تتزوّج من أبي محمد من جديد؟؟

هذا ما دار في خلدي في تلك اللحظة.

********

(الفصل الثالث وألأخير)

لقد انفرجت مشكلتهما .. وعرفا أنهما  يجوز لهما أن يتزوّجا من جديد .. ولكنهما عرفا أيضاً أنهما غرباء الآن عن بعضهما .. وبقيت خطوات لابد أن يتبعانها ، وإلا لن يتمكّنا من الزواج ثانياً ..

حالة من التوتر تسود البيت في ذلك البلد الغربي ، وتساؤلات غير مرتبة حشرت في تفكير أم محمد خاصّة ، ولا تعرف ماذا تصنع ..

إنها تدخل الغرفة ، و لا تكاد تغلق الباب حتى تعود وتفتحه مرة أخرى ، لتخرج إلى الصالة .. تحاول أن تجلس على الكرسي ، ولا يكاد جسمها يلاصق الكرسي حتى تعاود القيام من جديد .. إنها لا تعرف ماذا تصنع ، فرحة الخبر ، كان يعني لديها بداية تحد آخر ..

في المقابل ، هوّن أبو محمد من الأمر ، وتفاءل خيراً .. ودعا الله تعالى أن ييسّر أمرهما ، وتعود حياتهما الزوجية السعيدة .. وتساءل : من أين نبدأ ؟؟

بدأت الإتصالات بذلك البلد الذي يقطنه الزوج الأول لأم محمد ،  وتحديداً ، إتصلت بقريبها الذي أجرى العقد السابق ، وأخبرته بكل القصّة وماجرى بعد ذلك .. اعتذر وأبدى أسفه لما حصل ، هوّنت أم محمد من الأمر ، فهي لا تريد الدخول في أي مماحكة وحديث طويل حول الأمر ، مادام قد أنتهى ، فكفاها ما مرّت به من أوقات عصيبة ..

لا بأس ..

الآن أريد رقم هاتف زوجي الأول ، إذا كان لديك ..

نعم هو عندي .. لحظة من فضلك .. أكتبي ...

شكراً لك ..

لم تطل المكالمة ، لأنها أرادت الوصول لزوجها لترى ما الذي يخبئ لها القدر ..

أدارت الرقم ..

الهاتف : يرن .. و يرن ..

وأم محمد تتصبب عرقاً .. والتوتّر يزداد ..

في الطرف المقابل أبو محمد يراقب المشهد ، ويخاف عليها من الإنهيار .. إنه مستعد لجميع النتائج ، كما هي شخصيته الهادئة ، والتي تتحمل المسئولية في كل الظروف ..

رفعت السماعة أخيراً ..

ألو .. السلام عليكم ..

وعليكم السلام .. من معي ؟

أنت فلان ؟

نعم : من معي ؟

أنا فلانة.

عرفها الزوج ، أنها كانت زوجته في يوم من الأيام .. أهلاً وسهلاً ، مالأمر ؟

إنها في خوف شديد ، لا تدري ما هي الشخصية التي هو عليها الآن .. تخاف من ردة فعل قد لا تعتقها إلى الأبد.. وتضل أسيرة عنده ..

قرّرت أن تحكي له القصّة بكل ملابساتها ، وبدأت تسردها عليه ، بأسلوبها الجديد الذي تعلّمته مع أبي محمد ، المليئ بالأخلاق والذوق الرفيع ..

تفاجئ هو بالخبر ، ولكنه ذهل أكثر بشخصية أم محمد الجديدة .. ما شاء الله إنها إنسانة مختلفة ، بهره احترامها وذرابة لسانها ..

وقرّر ..قراراً واحداً ..

أنا أعتذر عن ما حصل ، وهذا ليس بإرادتي كما تعلمين ..

قالت أم محمد ، بالطبع .. وهي تنتظر الإجابة في حالة توجّس ، و تعلّق قلبها بالله تعالى ..

قال : أنا تحت أمركِ .. أي شيء تريدوني أن أعمله فأسعمله ، لأساعدكم للخروج من هذا المأزق ..

حمداً وشكراً لله تعالى ..

أخبرته أنها تريد إجراء الطلاق من جديد بصورة شرعية .. فوافق على ذلك ، وتعاون معها كل التعاون ..

اتصلوا بأحد العلماء في ذلك البلد ، وبالفعل أجرى الطلاق الصحيح ..

وانفرجت أسارير أم محمد ، إنها الآن حرّة طليقة .. إلا أنها لابد أن تمر بعدّة الطلاق ..

ثلاثة طهور .. فلابد أن تمر عليها الدورة الشرية مرّتان ثم تطهر منهما ، وإذا دخلت الطهر الثالث ، جاز لها أن تتزوج من أبي محمد ..

إنها تقارب الستين يوماً ..

*******************

بدأ اليوم التالي ، بإشراقة صبح جميل ، فتحت أم محمد نافذة غرفتها لتتسلّل خيوط الشمس إلى الداخل .. أنه يوم جديد .. وجميل .. ولكن الخضرة والنباتات في الحديقة تحتاج إلى رعاية ، لقد نسيناها لمدّة أسبوع ، لابد أن أسقيها ماء لتدبّ فيها الحياة.

همّت للخروج إلى الحديقة ، وفتحت باب غرفتها .. وتذكرت أن أبا محمد أولى بالإهتمام من الحديقة ، فلا بد أن تعدّ له الإفطار ، حتى لو لم تكن الآن زوجته .. فهي في رعايته ، وينتظران الزواج ..

مرّت على غرفة المعيشة ..

وإذا بالإفطار جاهز .. اقتربت إلى الطاولة بكل هدوء .. واستغراب .. تتلفت يميناً ويساراً ..

أبو محمد ليس هنا ..

ترك لها ورقة على الطاولة .. كتب عليها : لابد أن تهتمي بنفسكِ .. بالهناء والشفاء ..

نعم هذا هو أبو محمد ، وهذه هي شخصيته .. إنها تعرفها ، لابد أن الساعة بعد التاسعة ، وقد ذهب للعمل ..

وبالفعل هي كذلك ..

جلست .. و تناولت إفطارها .. وكأنها لم تفطر منذ زمن بعيد .. وتفكّر في أمر الغداء .. لابد أن أعدّ له الغداء.. فجأة تسمّرت عيناها صوب النافذة ..

هل سأبقى هكذا شهرين .. لابد أن أطلب منه أن أنتقل إلى مكان آخر ، ليأخذ راحته ، ثم يقرّر بنفسه أمر الزواج .. نعم أني أحبه ، وهو كذلك .. ولكن هذه حياة أخرى وفرصة أخرى .. و لا ينبغي أن أفرض نفسي عليه ..

قرّرت أن تخبره بهذا الأمر عند رجوعه من العمل ..

وصل أبو محمد .. وإذا بالغداء جاهز على الطاولة من دون وجود أحد عليها .. تبسّم .. لأنها فعلت مثل ما فعل..

بعد أن استحمّ .. جلس يتناول غداءه ..

دخلت أم محمد .. سلّمت عليه ..

وقالت له أريد أن أتحدث معك عن أمر .. فأنا أريد الإنتقال إلى مكان آخر .. لتأخذ راحتك ..

وقبل أن تكمل حديثها ، قاطعها .. قائلاً ..

أنظري .. هذه تذكرة سفر ، حجزتها لأذهب إلى سوريا ، لأزور السيدة زينب ، ومن هناك إلى العراق لزيارة الأربعين .. وسأمضي الوقت هناك .. فإذا انتهت المدّة سأعود ..

هكذا فكر هو أيضاً ..

وهذا البيت بيتكِ أنتِ.. أعتني بنفسكِ .. وعندكِ كل ما تحتاجينه هنا..

حاولت أن تخفّف عليه وعثاء السفر .. وأن انتقالها أكثر سهولة .. لكنه مصر ، وهو يريد أن يزور الإمام الحسين (ع) في الأربعين ..

*********

بدأت رحلة أبي محمد ، وهبطت الطائرة في مطار سوريا ..

جاء متشوقاً لزيارة عقيلة الهاشميين السيدة زينب عليها السلام .. مسك الضريح ، خاطبها ، سلّم عليها ، و توسّل بها ..

وبقى هناك ينتظر قرب وقت زيارة الأربعين .. حيث ذهب إلى مكتب من مكاتب السفر والسياحة وحجز عنده تذكرة إلى العراق ، ذهاباً وإياباً ..

مرّت الأيام ..

ووجد أبو محمد نفسه ، في وسط مدينة كربلاء المقدّسة ..

أشرقت نفسه ، ونسى كل هموم الدنيا .. وأقبل بقلب منكسر .. وسط حشود لا عدّ لها ولا حصر .. الكل ينشد ذلك القبر الشريف ..

يمشي مع المشاة .. وقلبه عند الإمام الحسين (ع) .. ونظره نهاية الطريق حيث المشهد المشرّف ..

وفقّه الله تعالى ، للدخول بكل يسر ، وأمسك بيديه الظريح المقدّس .. ولم يتمالك نفسه بالبكاء .. أجهش بالبكاء غزيراً ..

السلام عليك يا أبا عبد الله الحسين ...

أخذ يتردد على المشهد المقدّس في كل صلاة ..

ومرّت أيامه بشكل سريع ، لأنها كانت حافلة بذكر الله ، وبزيارة الإمام الحسين (ع) ، وبزيارة العلماء الأعلام ، والمؤسسات الثقافية والخيرية .. والتعارف على الناس ..

*********

أم محمد مشتغلة بصلاتها ودعائها وشكرها لله .. إلا أنها كانت تعيش روتين قاتل .. تحاول أن تلهي نفسها بأي شيء .. إنها تطلب من الوقت أن يمرّ ، تشرق الشمس ، ولكنها تبقى طويلاً .. ليست كعاتها ..

تريد أن تغرب الشمس سريعاً .. فيبقى الغروب متجمّداً .. لا حراك فيه ..

ذلك المشهد الجميل الذي تحب أن تنظر إليه .. وكان سرعان ما يذهب .. ها هو الآن بلا حراك..

وهي على هذه الحال .. مرّت أيامها ، وطهرت من طهرها الأخير ..

دخلت باب الحمّام بشكل سريع .. واغتسلت وكأنها كانت تغتسل من حياة أخرى ، تنفضها من عليها بماء النية الصادقة وحفظ حرمات الله وأحكامه..

و ارتدت لباس الحياة الجديدة .. وخرجت لدنيا التحرر من أي التزام زوجي .. مع أي أحد من البشر..

هذه هي الأيام التي يجوز لها فيها أن تبرم عقد زواج ..

كيف .. هل تخبر أبو محمد ؟ كلا .. كلا .. إن الحياء يمنعها من ذلك ..

فلن أكون ثقيلة عليه .. وما أدراك بالدنيا ، فلعلّه يفضّل أن لا يتزوج من جديد .. فهذا حقّه .. ولكنها فكرة تمزّق قلبها بمجرّد التفكير فيها ..

عليّ أن أنتظر ..

مرّ أسبوع  واحد ..

ورنّ هاتف المنزل ..  فسارعت لرفع السماّعة ..

ألو..

السلام عليكم ..

وعليكم السلام ..

تقبل الله أعمالكم .. زيارة مقبولة إن شاء الله .. ما هي أخبارك .. هل أنت بخير..

نعم الحمد لله ، وأنت هل أنت بخير ؟ الحمد لله ..

سألها أبو محمد : عذراً على السئوال .. هل أصبحتِ في طهرك الثالث؟

جال في خاطرها .. إنه يعلم ولكن (كم من سائل عن أمره وهو عالم) .. لم تستطع أم محمد أن تنطق بكلمة واحدة من حيائها ..

كرر السئوال ..

كرّرت الصمت ..

أبو محمد : ماذا؟

أم محمد : أطبقت شفتيها وقالت (أم).

أبو محمد : هل تقبلين بي زوجاً على سنة الله ورسوله؟

لم تسعها كل هذه الدنيا الفسيحة ، إنها تحتاج أن تنطلق بفرحتها إلى فضاء أوسع ..

ولكنها لازمت السكوت..

كرر أبو محمد الطلب ..

أم محمد : أطبقت شفتيها وقالت (أم).

وعاد البيت الدافيء من جديد إلى عالم الزوجية السعيدة .. وما دام الإيمان يلازم هذا البيت ، فإن السعادة هي الأساس فيه ، و المشكلات فيه هي أمر طارئ ، سرعان ما يزول ..

(قصة قصيرة)

من مؤلفاتنا