بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد وآله الطاهرين.
مادام أن المنبر له سعة في التعاطي الكمي، باعتبار كثرة المناسبات الدينية في الواقع الشيعي، فمن الطبيعي أن يتم تداول شأن المنبر بين الناس، إلا أننا ينبغي أن نؤكد على مجموعة من النقاط كي لا يتحول ذلك التعاطي إلى أداة سلبية تقلل من شأن المبر الحسيني، أو تكون من عوامل حصر تأثيره الإيجابي في المجتمع.
النقطة الأولى: أن أي عملية نقد لابد أن تضع في حسبانها أن النقد هو عملية تنموية، وعندما تكون نية الناقد في طريق الوصول إلى واقع أفضل للمنبر الحسيني، فهو بلا شك سوف لن يقوم بتشويه متعمّد، ولن يعتمد التعميم في النقد، ولن يعتبر الإختلاف في الرأي من سلبيات المنبر، فنقده سيكون نقداً منضبطاً في لغته وأسلوبه، بل وحدود تداوله.
النقطة الثانية: كل عملية نقد إن لم تحمل معها مقترحات جادة في عملية التطوير، فهي ستكون مجرد رأي شخصي لا يريد منه التأثير، وإنما بعض المستمعين قد يمارس النقد كي يقوم باختيار المنبر الذي يجلس عنده، وهذا النوع من النقد ليس سلبياً مادام في حدوده الضيقة التي لا تؤثر سلباً أو تخلق إعلاماً مضاداً..
النقطة الثالثة: إن التعميم في النقد هو الأداة الفاعلة لهدم أصل الأشياء، فعندما يريد الأعداء هدم أمر ما، فإنهم يعملون على ممارسة التعميم، كي يفقد المجتمع الثقة في ذلك الأمر، فلهذا ينبغي الحذر من التعميم في نقد المنبر الحسيني، فيقال أن واقعه ضعيف وهزيل ولا يحمل أي معنى، فهذا خلاف الواقع لمن يراقب بعناية تنوع المنبر الحسيني، ففيه بعض من يركّز على التعزية ولا يتمكن من طرح موضوع متكامل، وفيه من يعمل على الإهتمام بمنبره من كافة النواحي فيوفق بنسبة من النسب، ومنهم من يحالفه التوفيق فيقدمون مواضيع جيدة، فكل هذا متوفر في الواقع، لذا فالتعميم في النقد سيكون أداة هدم للجوانب الإيجابية بلا شك.
النقطة الرابعة: أننا ينبغي أن لا نكتفي بالملاحظات النقدية على الخطيب، بل قد يكون عند البعض هوس جمع الملاحظات والثغرات، حتى أنه لا يستفيد من منبر على الإطلاق، فمن المهم أن نحوّل الإهتمام إلى طرح سؤال على النفس: مالذي استفدته من الخطيب هذا اليوم؟ أي التركيز على الجانب الإيجابي والبحث عن المعرفة في ما يطرحه الخطيب، وهذا مهم جداً، كي لا نخسر ذلك الكم الهائل من المعارف التي تطرح في الموسم العاشورائي، وإن كانت نسبها متفاوته في الإفادة، وهذه النقطة ليست مقتصرة على الإنسان العادي بل تشمل المثقف، بل والعالِم مهما ارتفع في علمه، فإننا جلسنا مع كثير من الفقهاء واستمعنا لهم يذكرون بتواضع بعض الفوائد التي استفادوها من استماعهم للمنبر الحسيني، فلا ينبغي أن تأخذنا شهوة النقد بعيداً عن التواضع للعلم والمعرفة.
النقطة الخامسة: ينبغي النظر للخطباء بعين العاملين في سبيل الله وفي سبيل إحياء أمر أهل البيت (ع)، فكم هو مؤثر الدور الذي يؤدونه، وهل يمكن تخيّل موسم من دون خطباء؟ إنهم يثرون المناسبة ويعملون ليل نهار في سبيل ذلك، وإن كان هناك بعض النقد والملاحظات لبعضهم فهذا أمر ينسحب على كافة العاملين في سبيل الإمام الحسين (ع)، فينبغي توجيه الشكر لهم وتقدير جهودهم الجبارة.
النقطة السادسة: وهي كلمة بسيطة للخطباء المبتدئين أو الذين لم يسعفهم الحال للالتحاق بالركب العلمي، نقول لهم بعد تقدير جهودهم، أن من الأهمية بمكان أن يترقّى الخطيب للتعاطي العلمي الجاد، فينفتح على سبل البحث العلمي، كالإنفتاح على مناهج معرفة القرآن وتدبّره، وسبل معرفة الحديث الشريف وطرق الجمع الروائي فيه، لتكوين رؤية دينية أو طرحها بتسلسل يخدم الموضوع، إضافة إلى معرفة قراءة التاريخ، وسبل معالجة المشكلات المعاصرة.
كما أن من الضروري امتلاك أدب الخطابة في الموضوع المطروح، فقد يكون الخطيب قادراً على طرح المواضيع العقائدية، إلا أنه لا يمتلك أدباً في طرح الموضوعات الفكرية أو الأخلاقية، فكل جانب له أدبه الخاص، والأدب الذي نقصده هو الأعم من معرفة المصطلحات لذلك الجانب، ليشمل طرق طرح الموضوعات وكيفية تداول تلك المصطلحات لكي تخدم البحث، ومن لا يمتلك أداوت المعرفة في اتجاه ما، فينبغي أن يقتصر على الجانب الذي يمتلك أداوته، من أجل الوصول إلى واقع أفضل في المنبر الحسيني.
السيد محمود الموسوي
مقالات ذات صلة:
- ماذا تقولون في كلمة الإمام الحسين عليه السلام: خط الموت على ولد آدم.. - 2016/10/08
- مالذي يقصده الإمام الحسين من قوله: (لم أخرج أشراً ولا بطراً..) وهل لها انعكاس على الواقع الشخصي؟ - 2016/10/08
- من أقوال الإمام الحسن العسكري (ع) - 2016/01/19
- حول حقيقة وجود وفضل المسجد الأقصى؟ - 2016/01/03
- محاضرة مرئية بعنوان المشروع النبوي.. بين بصائر الوحي وحبائل الشيطان - 2016/01/03
أحدث المقالات - من جميع الأقسام:
- هل يُكره الإقامة في كربلاء أكثر من ثلاثة أيام؟ - 2023/08/23
- هل أن دعاء التوسل بالسيدة فاطمة والسر المستودع فيها، وارد عن أهل البيت؟ - 2022/09/13
- هل قصة الأسد الذي حمى جسد الإمام الحسين (ع) واردة عن إمام؟ وهل تعارض رضّ الجسد الطاهر؟ - 2022/08/12
- هل كان زهير ابن القين عثمانياً؟ - 2022/08/11
- ما صحّت ما يقال أن الحسين صار كهيئة المحتضر عند وداع ولده علي الأكبر، وغارت عيناه في أم رأسه وأغمي عليه؟ - 2022/08/08
مقالات متفرقة:
- كيف يكون الله ضاراً نافعاً؟ - 2011/01/18
- هل عبارة (لولا فاطمة لما خلقتكما) تدل على تفضيلها على أبيها وبعلها؟ - 2021/02/02
- هل يعلم المعصوم بموعد موته؟؟ ألا يعد انتحاراً؟ - 2012/03/07
- هل بكى الإمام الحسين على أعدائه؟ - 2017/09/24
- متى قُتل العباس بن علي (ع) تحديداً؟ وهل هناك قول بأنه قُتل يوم التاسع وعلى أساسه يخصص البعض يوم التاسع للعباس.. - 2022/08/07
المقالات الأكثر قراءة:
- ما معنى جوامع الكلم؟ - 2010/09/20 - قرأ 47386 مرُة
- معجم المؤلفين البحرينيين يترجم للسيد الموسوي - 2015/05/28 - قرأ 35667 مرُة
- هل في المرض أجر؟ وما صحة قولنا للمريض: أجر وعافية؟ - 2015/05/20 - قرأ 30169 مرُة
- لماذا نسجد على التربة الحسينية؟ - 2010/08/10 - قرأ 29421 مرُة
- مالذي يقصده الإمام الحسين من قوله: (لم أخرج أشراً ولا بطراً..) وهل لها انعكاس على الواقع الشخصي؟ - 2016/10/08 - قرأ 25895 مرُة
- بحث فقهي معاصر في حق الزوجة في المعاشرة - 2011/03/30 - قرأ 20047 مرُة
- السيرة الذاتية - 2010/08/08 - قرأ 18511 مرُة
- ماهو واجبنا تجاه الامام المنتظر والاستعداد للظهور؟ - 2010/08/30 - قرأ 18006 مرُة
- من أقوال الإمام الحسن العسكري (ع) - 2016/01/19 - قرأ 15346 مرُة
- سورة الفيل وقريش - 2010/08/11 - قرأ 15166 مرُة