قراءة في كتاب: الثورة الحسينية .. مصباحُ هدىً وسفينة نجاة، للسيد محمود الموسوي

thawraah2قراءة في كتاب

 

الثورة الحسينية .. مصباحُ هدىً وسفينة نجاة

*إعداد / زكي الناصر

الحسين عليه السلام.. دعوة ثورية للتغيير والإصلاح والثورة على الذات وعلى الواقع الفاسد..

.

هذه الرؤية الحسينية يقدمها بإطار جديد سماحة السيد محمود الموسوي في آخر تأليف له صدر مؤخراً تحت عنوان: "الثورة الحسينية مصباحُ هدىً وسفينة نجاة". ويدعو القارئ لأن يقرأ واقعه في حراكه الثوري والسياسي المعاصر، من خلال الثورة الحسينية المباركة، تقويماً للواقع بهدى الإمام الحسين عليه السلام، لأنه "مصباح هدى وسفينة نجاة".

الكتاب تقسّم على ثلاث عناوين رئيسة: "الثورة الحسينية.. شعاع مستمر". و "حق الثورة ضد الظالمين"، و"وعي الحراك السياسي من وحي عاشوراء". وتحت هذه العناوين، تتفرع عناوين فرعية يناقش فيها المؤلف موضوعات عديدة بشأن النهضة الحسينية وقراءتها بالشكل الصحيح، وسبل الاسترشاد بها.

تحت عنوان "على سبيل التمهيد"، يسعى السيد المؤلف لأن يضع واقع الحراك وعملية التغيير التي يعيشها المسلمون في ضوء وطريق الامام الحسين عليه السلام. واشار الى عقليتان تقرءان الواقع وتحاولان تغذية المجتمع بافكارها: الأولى: العقلية المتأثرة بالحدث نفسه، وبالتحولات ذاتها، فتعمل على صياغة فكرها وثقافتها بناء على المعطيات التي تلامسها، وهذه العقلية إنما تخضع للواقع، وتحاول الملائمة بينه وبين ما تؤمن به من فكر وعقيدة في محاولة استقرابية. وهي ذاتها العقلية البراغماتية أو الذرائعية التي تتبنى المذهب الفلسفي السياسي الذي لا يقوم على أي تفسير أيديولوجي لحركة المجتمع والتاريخ، وإنما ينظر إلى النتائج الآنية، فنرى أن البعض من الداخل الإسلامي يتبنى هذه النظرية دون أن يعي حقيقتها.

أما العقلية الثانية فهي التي تقرأ الواقع من خلال السنن الإلهية والسنن التاريخية الثابتة، لتكتشف أسرار التغيير، وتبني من خلاله التحرك، معزّزة كل ذلك بالثابت من رؤاها وعقيدتها، التي لا تقبل التغيير ولا التحويل، باعتبارها سنن (تاريخية) إلهية.

بمعنى أن الإنسان الثائر وصاحب القضية، يجب أن يكون ذو بصيرة قرآنية ايضاً. ويقول عنه السيد الموسوي : انه لا يستسلم للواقع في رؤاه ولا يتنازل عن طموح التغيير، فهو يعمل وينادي على الدوام: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" (سورة محمد 7). ليأخذ الناس بالأسباب التي توصلهم إلى حياة الكرامة.

والمشكلة هنا يعبر عنها سماحته بانها: تكمن في تلك العقليات التي تتأثر بالواقع فيكون الواقع هو الذي يصيغ ثقافتها ورؤاها، فتراهم ينتشرون وينتفضون وينادون بإمكان التغيير، حينما يعيشون انتصارات الآخرين، وتلك الانتصارات التي يعيشها البشر بلا شك تبعث برسائل للعقل لعله ينفض عنه غبار الهزيمة، كما حدث من انتصار المقاومة في لبنان على العدو الإسرائيلي، وكما حدث في تونس من هروب الديكتاتور، وعواصف التغيير في مصر، إلا أن هذه العقلية التي تركّب قناعاتها على التحولات وتكون آليات تفكيرها عبر انتصارات الآخرين، لا يمكن الوثوق بها في واقع الظلم وحياة الكبت، ذلك الوقت الذي يحتاج فيه الإنسان إلى الحركة من أجل تغيير واقعه أكثر من أي شيء آخر.

 

هل نهضة الإمام الحسين عليه السلام تعدّ ثورة؟

يؤكد سماحة محمود الموسوي في مؤلفه الجديد، على أن ما جرى في يوم عاشوراء، كان ثورة حقيقية على الذات وعلى الواقع الفاسد، في إطار الإصلاح والتقويم والتغيير، موضحاً ان الثورة ليست بالضرورة ان تستجلب الصدامات العنيفة وحرب الشوارع وغير ذلك. وقد ناقش من يرفض إطلاق لفظ "الثورة" على نهضة الامام الحسين عليه السلام. يقول سماحة السيد الموسوي:

فيقال: لِمَ لم يستخدم القرآن الكريم كلمة "الثورة" في الدّعوةِ إلى التغييرِ والإصلاح..؟ ولا نَجِد لها استعمالاً في أحاديثِ النبيِّ الأمين والأئمّةِ الطاهرين؟! وهذا محض اشتباه. فكلمة الثورة هي للدلالة على حالة من التحرّك السياسي أو مرحلة من مراحله، وهي كلمة وصفية لهذه الحالة من التحرّك، لذلك ليس من الصحيح منهجياً أن نرفضها أو نقبلها على أساس استخدامها في النصوص الشرعية بهذا المعنى أو عدم استخدامها؛ لأنها ببساطة، من الكلمات الوصفية..

من جهة اخرى استشهد المؤلف في تقريب مفهوم "الثورة" الى الواقع، بحديث لسماحة آية الله السيد هادي المدرسي حول "الروح الثورية" حيث يقول سماحته: ..فالروح الثورية، هي روح التجاوز التي تتطلع إلى خلق واقع جديد على أنقاض واقع قديم، وهي روح الاستهانة بالعقبات والنكسات في سبيل تحقيق الأهداف، وعلاوة على ذلك فإنها تهتم اهتماما ً كبيرا ً بوسائلها وقوانينها وتكتيكاتها الخاصة بها)[1].

 

حق الثورة على الظالمين

في بلادنا الاسلامية جرى حديث طويل منذ عقود من الزمن حول مسألة التحرك ضد الحاكم الظالم والثورة ضده وإسقاطه، استضاءةً بهدى الإمام الحسين عليه السلام. ويتساءل المؤلف: هل أن الإمام الحسين عليه السلام استثناء في قيامه؟ أم أنه قدوة يحتذى سبيله لمقارعة الظالمين ولرد الظلم وإقامة العدل؟

يجيب المؤلف: إن "الإمام الحسين عليه السلام مصبا ح الهدى وسفينة النجاة"، في كل شيء وفي كل عصر، في كلامه وفي قيامه، وهو مع أخيه الحسن عليهما السلام، إمامان قاماً للجهاد والثورة أو قعدا.

فهذه حقيقة واضحة، إلا أن تكالب الزمان وهجوم البلايا على الموالين، جعل البعض يصاب بانهزامية نفسية، تتحوّل بعدها إلى فكرة، ومن ثم إلى فلسفة في الحياة، - كما يقول أحد العلماء- وذلك من خلال التعكّز على بعض الروايات الواردة في كتب الحديث، والتي قد يفهم منها إشارة إلى عدم جواز الخروج ضد الظالمين، وعدم دفع الظلم والجور، وعدم إنكار المنكر.

إلا السيد الموسوي ومن خلال نظرة استقصائية، يؤكد: إن فكرة الاستسلام وعدم جواز الخروج على الظالم وعدم رد الظلم، والقبول بالظالمين فوق رؤوس العباد والبلاد حتى وإن أفسدوا، لم تكن واردة في مدرسة أهل البيت عليهم السلام، بل هي جدلية ابتلي بها أصحاب مدرسة الخلافة بسبب جهود بني أمية في تحريف الروايات، ليقوم الناس بالقبول بهم على أساس ديني.

أما في مدرسة أهل البيت فيشير سماحة السيد الموسوي الى توجه البعض للأخذ ببعض الروايات التي يفهم منها رفض النهوض بوجه الظالم، مثل الحديث المروي عن الامام الصادق عليه السلام قال: "...يَا سَدِيرُ الْزَمْ‏ بَيْتَكَ‏ وَ كُنْ حِلْساً مِنْ‏ أَحْلَاسِهِ‏ وَ اسْكُنْ مَا سَكَنَ اللَّيْلُ وَ النَّهَارُ فَإِذَا بَلَغَكَ أَنَّ السُّفْيَانِيَّ قَدْ خَرَجَ فَارْحَلْ إِلَيْنَا وَ لَوْ عَلَى رِجْلِكَ[2]. وفي حديث آخر في هذا الاتجاه عن الصادق عليه السلام ايضاً: قَالَ: "كُلُ‏ رَايَةٍ تُرْفَعُ‏ قَبْلَ‏ قِيَامِ‏ الْقَائِمِ‏ فَصَاحِبُهَا طَاغُوتٌ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ[3].

 

الربيع الحسيني و الحراك السياسي

يحكم السيد المؤلف الربط بين نهضة الامام الحسين عليه السلام ضد الانحراف الاموي، وبين نهضة الشعوب العربية ضد انحرافات وطغيان الحكام خلال العامين الماضيين، ويوضح ان عاشوراء تعد موسماً لتفعيل قيم انسانية من قبيل الحرية والكرامة والإباء والإيثار والتحدي والتغيير ومواجهة الظلم، أما ساحة وربيع هذا الموسم، فهي كل أرض – يقول سماحته- تستقبل بذور قيم عاشوراء وترتوي بعذب مبادئها، ليتم تفعيلها وتمكينها، فتكون كل أرض تحيى فيها تلك القيم هي أرض كربلاء، وكل يوم ترفع فيه تلك القيم فهو يوم عاشوراء.

ويضيف المؤلف: إن ما يعيشه الواقع العربي اليوم من أحداث سياسية متلاحقة ومطالب للتغيير، و مجابهة الظلم والطغيان، يصنّف في جهة من جهاته ضمن الربيع الحسيني، حيث أن آثار النهج الحسيني كانت واضحة، وروح التغيير وروح الكرامة ومجموعة من القيم الحسينية، كانت الصيغة الاساس في هذه التحركات. وقد يستغرب البعض من ذلك، - يقول السيد المؤلف- فيقول: أن مجموعة من الساحات التي كانت محط الثورات الراهنة، لم يكن فيها ذكر للإمام الحسين عليه السلام ولا إحياء للشعائر الحسينية، فكيف تصنّف هذه الساحات ضمن الربيع الحسيني!

          وللإجابة على ذلك نقول: أن التأثير لأي فعل ليس بالضرورة يكون تأثيراً مباشراً، فقد يكون التأثير بشكل غير مباشر، أي عبر تعدد وسائط التأثير، وعبر ما يخلق من أجواء مؤثرة في التوجهات العامة، أو من خلال التأثيرات المتراكمة تاريخياً في أصل الثقافة ونوع الرؤى والمناهج.

          وكذلك يمكن النظر لهذا الأمر من جانب آخر، وهو أن التاريخ أنبأنا أنه كان هنالك نهجان متباينان، نهج يحكم بالحديد والنار، ويتسلط على رقاب الأمة ويتأمر على الناس ويستغل الدين لمنافعه الشخصانية، وكان هناك نهج يقابله ويتحداه ويقارعه، وهو نهج العدالة والكرامة والتحرّر من عبودية المال وعبودية الناس إلى عبودية الله والرجوع إلى الفطرة، وقد ظهر ذلك بجلاء في معركة كربلاء، وقد قاد نهج الاستعباد والاستغلال يزيد بن معاوية، وقاد نهج التحرر والعدالة والكرامة، الإمام الحسين عليه السلام، ومن هنا استمر النهجان تاريخياً، فكان مما انبثق من نهج يزيد نظرية الولاء لولاة الأمر حتى لو كانوا أفسق الناس وأفسدهم، وانبثق من النهج الحسيني، الولاء للقيم ذاتها وللأشخاص بمقدار ما يتمثلون تلك القيم.

 

شعار السلمية.. مقاربة حسينية

يتطرق سماحة السيد الموسوي في كتابه، مسألة غاية في الاهمية في مشروع التغيير السياسي وهي الوسيلة والأداة لتنفيذ هذا المشروع وتحقيق التغيير السياسي، ويشير الى اتباع الخيار السلمي و "السلمية"، مع استدلالهم من القرآن الكريم، كما يشير الى اتباع خيار العنف واستدلالهم من القرآن ايضاً. لكن قبل مناقشة الفكرتين، يحذر المؤلف في التفاتة ذكية من أن مغبة التعامل معهما على أساس وجود التمايز بين النهجين. ويؤكد بالقول: إن الحقيقة ليست كذلك، فهنالك تداخل بينهما، وهنالك ما هو أصل وما هو فرع، وهنالك مسألة الابتداء ومسألة الدفاع، فلا يمكن الحديث عن النهجين بنوع من التسطيح والتغافل، فهذه المسيرة الحسينية المباركة توضّح لنا الفروق والخطوط الفاصلة بين النهجين، فقد كان الإمام الحسين عليه السلام مع أخيه الإمام الحسن عليه السلام، في تحرّك سياسي وحضاري سلمي، وعندما وجد الإمام أن الأمر استلزم رفع درجة المواجهة من أجل الدين، فقد نهض وحشّد لذلك رجالاته واستدعاهم للوقوف إلى جنبه، ومع كل ذلك لم يبدأ القوم بقتال، إلا أنه عندما اُعتدي عليه، فقام وجرّد سيفه وسيوف من معه لنصرة الدين والدفاع عن الحرمات.

          إن الخطاب المغالط الذي يصف الحراك الجماهيري بالعنفية عندما تدافع الجماهير عن نفسها أو حتى عندما تقوم باحتجاجات سلمية بحسب الفهم السياسي، يأتي ـ ذلك الخطاب ـ من مصادر تريد وأد أي تحرّك للشعوب ضد الظلم والعدوان، ليكون الناس في سبات ليلعب أمثال يزيد بمقدرات الأمة ويستعبد طائفة منهم، فترى عمق المغالطة واضحة حال احتياج الدول والحكومات إلى صدّ التحركات بالعنف، فإنها تبرر لنفسها بألف تبرير كي تؤجج الحروب وكي تقمع الشعوب.

 

 



[1] / رؤى في مسيرة الحركة الإسلامية، آية الله السيد هادي المدرسي.

[2] / الكافي، ج8،ص 264

[3] / المصدر، ص295

* نشر في مجلة الهدى

من مؤلفاتنا