زيارة الإمام الحسين (ع)، سماتها الربانية وآثارها التربوية

 المؤلف: السيد محمود الموسوي  10
عدد الصفحات: 96
 سعر الكتاب: مجاني
بلد النشر: البحرين
تاريخ النشر: 1441
 ملف الكتاب: pdfzeyarah.pdf
لمحة عن الكتاب :

كل خطوات المرء هي أنفاسه نحو الممات، إلا الخطوات التي يتيمم بها نحو حرم الإمام الحسين (عليه السلام) زائراً، فإنها أنفاس الحياة، وأنفاسه نحو الحياة.

وكل وقت يمضيه بني البشر تنتقص به أطراف أعمارهم، إلا الوقت الذي يقضيه الزائرون في حضرة القرب من الإمام الحسين، جاثمين عند عتباته الطاهرة، فهو وقت قد أخرجه الله من حسابات النقص، وأودعه في حسابات الزيادة في الأعمار والآجال.

إن مكانة زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) وعطاءاتها وبركاتها، قد خطتها يد القدرة الإلهية وأجرتها على لسان أهل بيت العصمة، لينثروا بذورها في قلوب أهل الأرض، لعلها تهتز وتربو، لتبدأ خطواتها في الطريق إلى الله تعالى.

هكذا هي زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) مفردة عبادية فريدة، قد أولاها أهل البيت (عليهم السلام) اهتماماً راسخاً، وقد أصبح قلب كل مؤمن هو الأرض الطيبة التي تلقفت تلك التوجيهات، فتوهجت قلوبهم إيماناً بها، وتمسّكت آمالهم بعروتها الوثقى.

من هنا أصبحت الزيارة منسكاً عبادياً فريداً واستثنائياً في جوانبه المختلفه، وأصبح لها مكانتها المحورية في تدين الإنسان وفي بناء عقله وهوى قلبه. حيث تميز العقل الشيعي بأنه احتوى على ثقافة الإسلام بكافة تفاصيلها، وقد جسد مذهب أهل البيت (عليهم السلام) الإسلام على حقيقته، لاتصاله بمنابع النور دون انقطاع، فبعد الرسول الأعظم (ص) لم ينقطع حبل الله المتين المدود بين السماء والأرض، وبقي متصلاً ومتواصلاً بأهل البيت (ع) الذين خلفهم الرسول (ص) للأمة كضمانة للهداية، وكعصمة عن الضلال.

وكنوع من استمرار الصلة وتوثيق العلاقة، فقد انبجست من الينابيع التي لا تنضب، لأهل بيت العصمة والطهارة، توجيهاتهم فيما يختص بزيارة أهل البيت (عليهم السلام) وشد الرحال إلى قبورهم ومراقدهم الطاهرة، لممارسة الزيارة كمفردة عبادية، معبّرة عن روح الدين وغاياته.

فمن المكانة التي تسنمتها زيارة قبور أهل البيت (عليهم السلام) وعلى الأخص زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في مواسمها المتعددة، كان لابد أن نتوجه لها بتسليط الضوء على ماهيتها وبواعثها وآثارها، من أجل صياغة ثقافة متوازنة في شأن الزيارة، للمحافظة على حدودها ولبلوغ الجزيل من آثارها، ولاستظهار معالمها ومعدنها، فيتعرف عليها كل طالب معرفة، ولكي تكون زيارة الزائر بحق انعكاساً لما أراد أهل البيت (عليهم السلام) ضمن منهجهم الذي يتطابق مع القرآن ولا يفترق عنه حتى يرد الناس على رسول الله (ص) الحوض يوم القيامة.

وعن منهجيتنا في هذا الكتاب الذي يستظهر ويبلور ثقافة (الزيارة) سوف نعتمد في الأغلب على صياغة الفكرة من خلال نصوص الزيارات التي وردت عن أهل البيت (عليهم السلام)، فإن الزيارات العديدة للإمام الحسين (عليه السلام) ـ التي نخصها بالبحث ـ  هي روايات شريفة تنضح بالعلم والمعرفة، وهي واردة عن المعصوم الذي كلامه حجة على المسلمين.

فإننا سوف نستلهم منها البصائر لتكوين رؤية متكاملة في ثقافة الزيارة، لما رأيناه مما تحتويه على آفاق معرفية، وتوجيهات عميقة، يراد لها أن تتردد على ألسنة الزائرين في كل حين، لكي تتشرب بها نفوسهم وقلوبهم وعقولهم، لتصنع الإيمان القويم الذي لا اهتزاز فيه ولا علة تعتريه.

إن نصوص الزيارات ترسم لنا ثقافة الزيارة وثقافة الزائر، وتبصره ببصائر الحق في هذه الممارسة العبادية.

وسوف نلحظ أن نصوص الزيارات فيها تكاملية عجيبة في المعارف الربانية المتنوعة، وهذه الموضوعية التكاملية التي تشكل انسجام أهل البيت (عليهم السلام) مع القرآن، إنما هي انعكاس لمنهج أهل البيت (عليهم السلام) في بث الوعي الإيماني الذي يراد له أن يسير في طريق الكمال من غير تجزيء، ومن غير تقصير، فإن منهج أهل البيت (ع)ينظر لسائر المعارف الإسلامية بشكل تكاملي، وهذا ما سوف تلحظه وتراه خلال قراءتك لهذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

لقد بث أهل البيت (عليهم السلام) في نصوص الزيارات الأفكار التي ترسم طريق الإنسان المؤمن نحو الله تعالى، في العديد من الجوانب، منها:

1/ التأسيس العقيدي التوحيدي الصحيح.

2/ معرفة الولاية والإمامة ومقامها الكبير، وتبيان الحقوق والواجبات تجاه الولاية.

3/ تعزيز الصفاة الإيمانية والسلوك القويم.

4/ بعث المسؤوليات الرسالية والتطلعات الكبرى في إعلاء كلمة الله، واتخاذ الموقف السليم من جبهتي الحق والباطل.

5/ توثيق الإيمان بالآخرة،  ورفع الطموح في تبوء درجات عالية في الجنة.

6/ توثيق أهم معالم التاريخ الإسلامي، وحفظ أهم الصراعات التي ميّزت الخط الرباني عن الخط الشيطاني.

وغير ذلك من معارف وبصائر يمكن الإستفادة منها في تشكيل إيمان راسخ وبصيرة نافذة، وسلوك قويم، من أجل عاقبة حسنى.

نسأل الله العلي القدير أن يسددنا في استظهار ثقافة الزيارة من خلال بيان سماتها الربانية التي اشتملت عليها، ومن خلال بيان آثارها التربوية لصياغة الإنسان وتوجيه سلوكه.

وأسأل الله أن يرزقنا زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في الدنيا، وأن لا يحرمنا شفاعته يوم الورود، إنه سميع مجيب الدعاء.

"اللّهُمَّ اجْعَلْني في وَفْدِكَ إلى خَيْرِ بِقاعِكَ وَخَيرِ خَلْقِكَ، اللّهُمَّ الْعَنِ الجِبْتَ وَالطّاغُوتَ".


 

.

من مؤلفاتنا