سورة العصر

بسم الله الرحمن الرحيم
( والعصر ، إنّ الإنسان لفي خسر ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) . .

عصارة الربح
عصارة الزمن ولادة الإنسان وعصارة الإنسان عمله ، وعصارة عمل الإنسان سورة العصر ، التي لخّصت كل المفاهيم القرآنية في تعبير وجيز دقيق ، جمع كل المحاسن ومنع كل المساوئ ، لينتج الإنسان الرابح في هذه الحياة .
وسورة العصر تكونت من ثلاث آيات كل آية عبارة عن قيمة مهمة ( العصر ، الإنسان ، عمل الإنسان ) لتكوين الإنسان الرابح ، فهي إذاً عصارة الربح . والتعبير القرآني بالعصر يتناسب مع هذه المعاني .
1/ ( والعصر ) ، لقد قيل أن المقصود عصر الرسالة ، وقيل عصر ظهور الحجة ، وقيل فترة ما بعد الظهر ، وقيل بمعنى الدهر ، أو أي عصر أنت فيه ، وسواء كان هذا أو ذاك فإنه تعبير عن الزمن ، الزمن الذي يؤثر في الإنسان وفي حركته ، بدلالة أن السورة تتحدّث عن الإنسان و عن عمله في الدنيا ....
و القسم لا يكون إلا بالأشياء العظيمة ، بل بالغة العظمة ، ليكون للقسم وقعه وتأثيره لدى السامع ، والعصر أو الزمن الذي نعيش فيه له أهمية بالغة لأننا نحيى فيه فنؤدّي أعمالنا خلال ساعاته ، وقوله تعالى : ( والعصر ) إنما أعطى للزمن الأهمية العظيمة لأن الله هو الذي أقسم به ، حتى لو لم ندركه بعقلنا المحدود . والهدف من القسم إنما لتأكيد حقيقة مهمة ، فما هي تلك الحقيقة التي أراد الله تعالى أن يبينها لنا ، فقسم الله ليس كأي قسم ؟
2/ ( إن الإنسان لفي خسر ) ، الإنسان المجرّد عندما يترك ليسير في ضمن المقاطع الزمانية المكتوبة إليه ، فإنه لا محالة خاسر ، أي أنه يعيش حتمية الخسران بطبيعته ، والخسران نقصان رأس المال ، حتى ولو لم يرتكب المعاصي والفساد ، وذلك لأن الزمن الذي أقسم به الله وأراد لفت انتباهنا إليه في حركة دائمة لا تتوقف ، فعندما يبقى الإنسان على ما هو عليه فإن الزمن يتعدّاه ويكون هو في نقص ،
وهنا سؤال :أي خسر تتحدّث عنه الآية ؟ الكلمة جاءت مطلقة دون قيد ، والآية التي تتحدث عن الخسران المطلق في القرآن هي قوله تعالى ، في سورة التوبة : ( حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة أولئك هم الخاسرون ) .
وكما أن خسران الإنسان مرتبط بالزمن كذلك المقابل للخسر وهو الربح مرتبط باستغلال الزمن ، كيف ؟
3/ ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا الصبر ) ، فهذا استثناء من الإنسان الخاسر ، وهو الإنسان الرابح ، فلا بد أن تتوافر فيه أربع صفات ، واضحة في هذه الآية ، نسلط الضوء على عدّة لفتات :
· من الصفات الأربع صفتان خاصتان بالإنسان كحركة فردية ( الإيمان وعمل الصالحات ) .
· وصفتان خاصتان بالإنسان كحركة اجتماعية ( التواصي بالحق و التواصي بالصبر ) .
· الإيمان وحده لا يكفي في تكوين الإنسان الرابح ، بل لا بد من اتباعه بالعمل الذي يدلّ على ذلك الإيمان ، لذلك جاءت كلمة ( الصالحات ) مضافة للعمل ، لأن لها ارتباط بالإيمان بالله وبرسله وكتبه .
· العمل على المستوى الاجتماعي بأهمية إيمان الإنسان وعمله لنفسه ، كما نرى أن الله تعالى جعل التناصف بين المستوى الفردي ، والاجتماعي ، إلا أن المستوى الفردي مقدّم ، وشرط لإنجاح العمل الاجتماعي ، ونجد ذلك في قوله تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) ، فأولاً ( كنتم خير أمة ) في المواصفات ثم ( أخرجت للناس ) للانطلاق في الساحة الاجتماعية ..
· الإنسان الرابح هو الذي ينظر لنفسه ودوره ضمن تلك المعادلة ككل ، فأربع الصفات جاءت في آية واحدة ، لعلها لتؤكّد هذه الحقيقة .
· العمل الإجتماعي ينقسم إلى قسمين ، الأول : ( التواصي بالحق ) وهو العمل لإشاعة الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والثاني : وهو ( التواصي بالصبر ) الصبر على الحق و الصبر على التواصي بالحق ، أي ليثبت الناس على الحق بالتكرار والتذكير ، ولكي يستمر العاملين على إشاعة الحق و تأدية رسالتهم ، والقسم الثاني لا يقل أهمية عن الأول ، ولذلك كررت كلمة التواصي فيهما ، فلم يقل ، وتواصوا بالحق والصبر .
فكما يخطط لأي عمل في سبيل الحق ، لا بد أن يخطط أيضاً لكيفية استمراره ودوامه ، فـ ( قليل مدوم عليه خير من كثير مملول منه ) كما في الحديث .
إن الإيمان هو الغاية وهو أهم ما في هذه الصفات وعمل الصالحات يقوم بدور تنمية الإيمان والحفاظ عليه ، والعمل الاجتماعي يقوم بتنمية عمل الصالحات والحفاظ عليها حتى على الفرد نفسه ، لأنه سيخلق جوّاً صالحاً ، و العمل على الاستمرارية والصبر ، إنما للحفاظ على العمل الإجتماعي ، وبالتالي فكل الأعمال تعود على إيمان الإنسان نفسه لتنميه وتحافظ عليه ، وتخرجه من دائرة الخسر إلى دائرة الربح ، فهذه هي عصارة الربح .

من مؤلفاتنا