وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

في الكلام حول المختار الثقفي رحمه الله، ولمعرفة طبيعة حركته ولإنصافه فيها، نعرض بعض النقاط التي نراها مفيدة في ذلك:

1/ إن التاريخ بشكل عام تعرّض لتحريف كبير، والتحريف المتعمّد طال الشخصيات المستقيمة والحركات التي رفعت راية الحق والحقوق في وجه الظالمين، فقد قام بنو أمية برعاية كتابة التاريخ عن طريق تقريب المؤرخين ليكتبوا ما يناسب مزاجهم السياسي ومنحاهم الفكري، لذلك فمن الطبيعي أن تكون الكتابات حول المختار فيها من التشويه لأنه قام آخذاً بثأر الإمام الحسين (ع)، وقصد إقامة العدالة التي نادى بها الإسلام وطبقها الإمام علي (ع)، فكان المؤرخون لا يكتفون بنقل الوقائع حول المختار وإنما كانوا يرفقون إسقاطاتهم على سطورهم ويوجهون القارئ لما يريدون.

2/ ينبغي أن نعرف تماماً أن حركة المختار حركة سياسية واجهت قوى الظلم والجور وانتصرت للمظلومين، ودخل المختار نفسه في تعقيد سياسي، لا ينبغي أن نقرأه بعقلية بسيطة كشخص عاش وصلّى وتصدّق ونام، بل لابد أن نقرأ الواقع السياسي في ذلك الوقت، ونعرف كيف كان وضع أهل البيت (ع) الحسّاس، وما شابه ذلك. ومن جانب آخر إننا لا ينبغي أن نقرأ المختار كما نقرأ المعصومين، فالمعصوم لا يمكن أن ترى في حركته مساحة من خطأ، لأن الخطأ لا يجوز في حقه ولو كان صغيراً، أما الرجال الآخرين كالمختار وغيره، فلابد أن ننظر لحركتهم المجملة، فقد يخطأون بعض الشيء، ولكن ذلك لا يدعونا إلى عدم إنصافهم.

3/ بدل أن نرفض حركة المختار ونشكك فيه بعقليات ساذجة تقيس تفكير أهل البيت (عليهم السلام) بمستويات البشر العاديين، علينا أن نمعن النظر في تلك العبقرية للإمام زين العابدين (عليه السلام) في إدارة الشؤون الرسالية للأمة، وعلينا أن نحترم كل حرف صدر عن المعصوم في حق المختار لنقرأها قراءة تحليلية تناسب مقام الإمامة الإلهية.

4/ نرى أنه من يريد أن يكتب أو يتكلم عن المختار الثقفي، إما أن يكتفي بما نقله التاريخ عن فعله بقصاصه لقتلة الإمام الحسين (ع) ومحاولته تحقيق عدالة الإمام علي (ع)، من دون أن يبدي تقييما.
وإما أن يرتفع لمستوى التحليل التاريخي المبني على الأسس القرآنية وقيم أهل البيت (ع)، كي لا يبخس مشروع المختار الكبير حقه.

5/ لقد قال الإمام الباقر (ع) لابن المختار: (رحم الله أباك... ما ترك لنا حقاً إلا طلبه، قتل قتلتنا، وطلب بدمائنا). هل يمكن الاستهانة بترحم المعصوم؟ وهل يمكن التقليل من شأن بيان المعصوم لطبيعة دور المختار؟

لا يمكن ذلك إلا في قواميس فاقدي المعرفة بمقامات أهل البيت (ع). إن الحرف من المعصوم وسام عظيم، وبيانهم عزّ الدنيا والآخرة.

6/ لقد اختار مسلم بن عقيل الذي يحتل مكانة خاصة عند الإمام الحسين (ع)، بيت المختار الثقفي ليكون أول محطة استقبل فيها الآف المبايعيين، وكان المختار محباً للإمام علي (ع)، وفي آخر مطافه أعاد البُشر للإمام زين العابدين (ع) وأظهر الإمام السرور وفرّق الهدايا واستعادت نساء أهل البيت (ع) حياتهم الطبيعية التي اكتست بالأسى منذ مأساة كربلاء.. وكل ذلك أثراً لما حققه المختار في حركته..

فهل سيكون حقاً الإمام زين العابدين (ع) غير راض عنه؟! لو كان كذلك لكان تناقضاًً في رأي المعصوم وموقفه والعياذ بالله، فكيف يحتفي بما لم يرض عنه؟! نستغفر الله من التفكير في ذلك..
إنما نقول إن هذه هي الحكمة السجادية في إدارة شؤون الأمة، وبذلك وشبهه سقطت دولة بني أمية.

التحليل في حركة المختار هو جزء بسيط كمثال لعمق الفهم لنهج الإمام زين العابدين (ع) وكيفية إدارة شؤون الأمة.


والحديث حول المختار طويل، فيه وقفات مع تشويهات بني أمية والزبيريين للمختار، ووقفات مع تهافت مؤرخي البلاط الأموي في إدعاءاتهم.

فرحم الله المختار ورحم الله تلك الصرخة التي كانت لأهل البيت (ع).

من مؤلفاتنا