(وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ). [التوبة : 100]

الإجابة:

بسم الله الرحمن الرحيم

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

إن ما جاء في سورة التوبة من الآية 100 وما تلاها من آيات، لا تمجد الصحابة أجمعين ولا تبشر بالجنة إلا من اتبع الرسول (ص) واقتفى أثره ونهجه، فلآية تتحدث عن النماذج المخلصة من المهاجرين والأنصار ومعهم من اتبعهم بنفس النهج وهو النهج النبوي الشريف الذي سار عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن معه من الخلّص، لهذا تقول الآية  (رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)..

وليس المقصود هو كل المهاجرين والأنصار، بل المقصود هم (السابقون الأولون) أي الذين سبقوا إلى الطاعة وإلى الإيمان بالنبي (ص) حق الإيمان، كخديجة والإمام علي وسلمان وغيرهم.. ومن سار على هذا النهج كان هكذا من المهاجرين والأنصار ومن اتبعهم بإحسان، أي الإتباع الصادق النابع من روح العطاء وليس الإتباع عن خوف أو ادعاء لمآرب في نفسه.

ولكي لا يفهم البعض أن المقصود هم الجميع كما فهمتها بعض المذاهب، جاءت الآيات بعد ذلك ببصائرها لتتحدث عن نماذج أخرى موجودة في المجتمع الإسلامي وهم (المنافقون) الذين كانوا مع المسلمين، كوجود جسدي، ويدعون ظاهراً أنهم مع رسول الله (ص) ويؤمنون به، ولكنهم في الحقيقة ليسوا كذلك وسينالون عذاب الله كما قال في الآية 101 (وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ) [التوبة : 101].

ثم يذكر القرآن الكريم أيضا نوعاً آخر من الناس في المجتمع الإسلامي في الآية التي تليها رقم 102 وهم من المؤمنين بالرسالة، ولكنه بسبب ضعف نفسي أو إيماني ارتكبوا بعض الأخطاء، ثم لم يصروا عليها بل أرادوا إصلاحها بالتوبة إلى الله تعالى، فهؤلاء أخطئوا واعترفوا بذنوبهم وتابوا، الذين خلطوا أعمالاً صالحة وأعمالاً سيئة فإن هذا النوع من الناس يغفر الله لهم في حال اعترافهم بالذنب وتوبتهم توبة نصوحة.

يقول ربنا عز وجل فيها (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [التوبة : 102].

ومن هنا نعرف أن الآيات الآنفة الذكر، قد ذكرت عدة أنواع من الناس كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله، فكان منهم السابقون المخلصون، وكان منهم المنافقون، وكان منهم من ارتكبوا السيئات ثم صححوا مسارهم بالتوبة.

وهذه البصيرة القرآنية إنما تقودنا إلى أنه لا يوجد قداسة لكل من كان مع الرسول (ص) وليس هناك ميزة لمن شاهد وعاصر رسول الله (ص) لمجرد أنه اجتمع معه في زمان واحد، فالآية على عكس ما يدعي البعض بأنها تبشر الصحابة بالجنة، إنما هي تثبت أن الكثير من الصحابة منافقون ولم يرض عنهم الله ورسوله ، ولم يرضووا عنه ولم يذعنوا إليه أبداً.

فإن  الفضل والميزة لأولئك الذين اتبعوا النبي (ص) وساروا على نهجه، فمن تبعه فهو منه. وهذا ينقض بوضوح تام نظرية عدالة الصحابة التي حاول البعض الترويج لها زوراً وبهتاناً، لا لشيء إلا ليستنقصوا من فضل أهل بيت النبوة وموضع الرسالة، ويرفعوا أشخاصاً لا يستحقون أي مقام وليس لهم أي فضل، ولكن الله تعالى يحق الحق ويدحض الباطل ببصائر القرآن الكريم، فتنقذ من اتبعها من مضلات الفتن وزيغ الأفكار، والتواء السبل.

تقبلوا تحياتي ودعائي

محمود الموسوي

من مؤلفاتنا