محاضرة عن التأثير الرسالي في المجتمع

DSC08596ألقى السيد محمود الموسوي في المجلس الأسبوعي للمثلية المرجع المدرسي (دام ظله) محاضرة حول برنامج التأثير الاجتماعي، تحدث فيها عن مواصفاة المؤمن التي يحتاجها في العمل الرسالي في المجتمع.
وكان ذلك ليلة الأربعاء 12/5/2010م وإليكم ملخص المحاضرة .

برنامج في التأثير الاجتماعي

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت : 35]

عن الإمام الرضا (ع):

"لا يكون المؤمن مؤمنًا حتى تكون فيه ثلاث خصال: سنّة من ربه، وسنَة من نبيه (ص)، وسنّة من وليه (ع). فأما السنّة من ربه فكتمان السر، وأما السنّة من نبيه (ص) فمداراة الناس، وأما السنّة من وليه (ع) فالصبر في البأساء والضراء" [تحف العقول/442].

علاقات الرواية بالآية

حديثنا عن مواصفات المؤمن، وفيما يحتاجه للعمل الرسالي في العمل الاجتماعي، فالآية الكريم تتحدث عن برنامج لعمل الدعاة إلى الله تعالى، ويبدو أن الرواية التي ذكرنها عن الإمام الرضا (ع) هي مطابقة لبرنامج عمل الآية في وجه من وجوهها.

فإن كلام أهل البيت (ع) مطابق للقرآن الكريم، وهم عدل القرآن، ومع القرآن، ولا ينفصلون عنه، فتارة يفسرون أو يأولون القرآن الكريم مباشرة، كأن يخبرونا عن معنى آية معينة، وأحيانا يلقون الحديث في الناس ويلاحظون حاجة الناس إليه، وهذا القسم هو أيضاً مطابق للقرآن الكريم، وإن لم يشر فيه إلى الآيات. لذلك يقول الإمام علي (ع) (كل ما عندنا في القرآن)، ويشير الإمام الباقر (ع) إلى الناس بأنه يمكنهم أن يسألوه عن أي قول يقوله، أين هو من كتاب الله.

وهذه الرواية مطابقة لبرنامج العمل الذي تتحدث عنه الآية، كما سنرى، حيث سنمر على مداليل الرواية، ومداليل الآيات، وبهذا سوف نحصل على حصيلة معرفية واضحة للآيات القرآنية.

المؤمن الحقيقي

الرواية تشير إلى صفاة (المؤمن الحقيقي)، (لا يكون المؤمن مؤمناً)..

فنحن أمام مواصفات وبرنامج عمل هو في القمّة.. وهذه الخصال هي مقسمة سنة من الله، وسنة من النبي وسنة من الوصي..

الآية تقول (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، ثم تأتي على ذكر المواصفات والأعمال التي يلتزم بها من هو الأحسن قولاً، وهو المسلّم الذي يترجم إيمانه إلى عمل صالح..

(قال إنني من المسلمين) يعني هو منهم بالفعل، والإسلام هو التسليم كما قال الإمام علي (ع): (لأنسبنّ الإسلامَ نسبةً لا ينسبه أحد قبلي، ولا ينسبه أحد بعدي، الإسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين، واليقين هو التصديق، والتصديق هو الإقرار، والإقرار هو العمل)..

فالإسلام الحقيقي هو الذي يترجم إلى عمل.. والمؤمن الحقيقي هو الذي تكون في هذه الخصال عملياً.. لذلك قال الإمام الرضا (ع) (حتى تكون فيه ثلاث خصال)..

· سنن ثلاث

المسلم الحقيقي هو الذي يتبع سنن الله والنبي والولي على حد سواء.. (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) [المائدة : 55]كتمان السر

وكلمة سنة، بشكل عام معناها السيرة والطريقة.. واصطلاحا تارة تأتي بمعنى السنةّ في مقابل الكتاب (أي الأحكام التي جاء بها النبي (ص) بشكل عام وهي ليست في الكتاب) ويبدو أن التعريف الأنسب هنا، هي الأحكام التي أخذت من النبي ولم تؤخذ من القرآن، لأن القرآن فيه كل شيء..

وتارة تأتي بمعنى المندوبات والمستحبات في مقابل الواجبات والفروض..

وهنا معناها الأعم، أي السيرة والطريقة ..

ونستفيد من مطابقة الآية مع الرواية أن المسلم هو الذي يسلّم إلى الله والرسول والإمام على حد سواء.

كتمان السر

أولى الخصال هي كتمان السر.. هذه سنة من ربه أي من الله تعالى، لأنه المطلع على أفعال أعمال عباده وهو علام الغيوب، ومع ذلك هو الستار على عباده، فحري بنا أن نتأدب بأدب الله (تخلقوا بأخلاق الله).. يقول تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً )[الجن : 26]

وكتمان السر، تارة سر العبد نفسه، فلا ينبغي أن يذيع أسراره ويطلع الآخرين عليها، لأنها تشكل مواطن ضعف يعرفها الأعداء، يقول الإمام علي (ع): (سرك أسيرك فإن أفشيته صرت أسيره).

ولأنها تعتبر إذلال للنفس، وقدقال الصادق(عليه السلام) : «إن الله فوّض الى المؤمن كلّ شيء إلاّ اذلال نفسه).

عن الرسول (ص): (استعينوا على حوائجكم بالكتمان)..

يذكر المرجع المدرسي عن والده أنه كان يقول أن إحدى مكائد الشيطان هي أنه يطلع الكفار والمنافقين على أسرار المؤمنين، لذلك فقد كان يكثر من الإستعاذة بالله من الشيطان، وذكر البسملة حينما يريد التفوه بكلام ليطرد الشيطان.

والمقابل لهذه الصفة في الآية هو قول الله تعالى: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة) يقول الإمام الصادق عن هذه الآية: (الحسنة التقية، والسيئة الإذاعة، قال التي هي أحسن التقية). الكافي ج2ص217

مداراة الناس

الصفة الثانية من صفات المؤمن الحقيقي: هي مدارة الناس، وهي سنة من النبي (ص) لأنه (ص) عرف بها، وكانت من أهم الآليات التي استخدمها في حركته المباركة، حتى قال: (أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض).

ولكن ما هي المداراة؟ هل هي المداهنة وإقرار الظالم على ظلمه، والمخطئ على خطئه؟.. هنا لابد من التدقيق.. لأن المواصفات الأخلاقية هي انعكاس للقيم، وليست هادمة للقيم، فلا يمكن أن تكون المداراة المأمور بها هي إقرار الظالم على ظلمه.. إنما المداراة هي أداة للرسالي في عمله من أجل الوصول إلى أهدافه الربانية في التغيير والإصلاح..

عن الإمام علي (عليه السلام): (دار الناس تأمن غوائلهم، وتسلم من مكائدهم) فهذه فائدة، تمكن الرسالي من أداء عمله، ولكي يأمن شر الأشرار .

و عنه(عليه السلام): (سلامة الدين والدنيا في مداراة الناس). فالسلامة ليست في الدنيا فحسب بل في الدين، وهنا معنى الرسالية وفائدة المداراة فيها.

فتكون المداراة هي أن تعمل عملاً أو تبدي رأياً موافقاً ومحبباً للطرف الآخر من دون أن يكون مناقضاً للدين وللقيم، وهنا يتجلى الإحسان إلى الآخرين، وهذا ما جاءت به الآية الشريفة..

والجزء المقابل لهذه الصفة في الآية هو قول الله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ). وهذا يفسر لنا كيف أن هذه المدارة هي الإحسان للآخرين من أجل رسالة وهدف رسالي.

وحتى لو لم يتحول الطرف الآخر إلى ولي حميم بالفعل (أي لم يتغير)، فإن الآية تقول (كأنه ولي حميم) يعني شبه به، وهذا مفيد للدعاة إلى الله أيضاً لكف الأذى.. كما فعل الإمام علي (ع) في الإحسان إلى الشخص الذي كان يؤذي الرسول (ص)، بعد أن أمره الرسول بأن يقطع لسانه، وكان يقصد اقطع لسانه المؤذي بالإحسان إليه.

الصبر في البأساء والضراء

الصفة الثالثة للؤمن الحقيقي هي تحليه بالصبر في البأساء والضراء، وهي سنة من وليه (أي من الإمام) ويبدو أنها تشير إلى الإمام علي (ع).. فإن عنوان حركته الصبر.. (ومن المواقف التي تذكر أن الرسول (ص) في وصاياه للإمام علي (ع) قال له أتصبر على ما يصيبك بعدي؟ كان الإمام علي يقول أصبر يا رسول الله (ص)، وهو يعدد عليه المصائب، إلا مصيبة ضرب الزهراء (ع) لم يتحمل الإمام، فقال له الرسول (ص) إن جبرئيل يقول أن الله يأمرك بالصبر، فقال الإمام (ع) أصبر.

والصبر هو أن يستقيم الإنسان على الحال الذي هو عليه، وهذه الصفة من الصفاة المهمة في العمل الرسالي، لأن فقدانها يعني عدم التحمل، ويعني التراجع، لذلك جعل الله تعالى على الصبر الثواب الكبير، قال الصادق (ع) : من ابتلي من المؤمنين ببلاءٍ فصبر عليه، كان له مثل أجر ألف شهيد . الكافي : 2/75 .

ونرى المقابل لهذا المعنى من الرواية في الآية هو قول الله تعالى: (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).

ماهي العلاقة بين هذه الصفات؟

1/ علاقة واقعية موضوعية، فالمداراة تقوم على أساس كتمان السر، والمدارة بحاجة إلى وقود الصبر.

2/ أنها برنامج للعمل والدعوة إلى الله في المجتمع. (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ).

فجاء بالصبر في البأساء والضراء فقط وهناك آية تذكر الصبر في ثلاثة مواطن (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ) والثالث هو الحرب.. وهنا لم يأت بها، لأن الموطن هو العمل في المجتمع. كما أن كتمان السر عن طرف مقابل، والمدارة لطرف مقابل، والصبر على الأذى كذلك.

3/ أن هذه الصفاة تعالج وضع الدعاة في أشد الظروف، حيث يحتاجون إلى الاستقامة والصبر.. كما يقول السيد المدرسي في تفسير من هدى القرآن الكريم.


من مؤلفاتنا