والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآل بيته الطيبين الطاهرين،

لقد ورد في الرواية هذا المعنى، الذي يعبّر عن رغبة الإمام تسمية كافة أبنائه باسم علي، وقد جاء في الكافي:

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَزْرَمِيِّ قَالَ: اسْتَعْمَلَ مُعَاوِيَةُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَفْرِضَ لِشَبَابِ قُرَيْشٍ،‏ فَفَرَضَ لَهُمْ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (ع): فَأَتَيْتُهُ. فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟ فَقُلْتُ: عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ. فَقَالَ: مَا اسْمُ أَخِيكَ؟ فَقُلْتُ: عَلِيٌّ. قَالَ: عَلِيٌّ وَعَلِيٌّ، مَا يُرِيدُ أَبُوكَ أَنْ يَدَعَ أَحَداً مِنْ وُلْدِهِ إِلَّا سَمَّاهُ عَلِيّاً؟ ثُمَّ فَرَضَ لِي فَرَجَعْتُ إِلَى أَبِي فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: وَيْلِي عَلَى ابْنِ الزَّرْقَاءِ دَبَّاغَةِ الْأَدَمِ، لَوْ وُلِدَ لِي مِائَةٌ لَأَحْبَبْتُ أَنْ لَا أُسَمِّيَ أَحَداً مِنْهُمْ‏ إِلَّا عَلِيّاً. ج6، ص99.

فمع أن تعبير الإمام كان عن محبّته أن يسمّي كل أبنائه باسم علي، إلا أننا نجد في كتب التاريخ في أسماء أبناء الإمام الحسين (عليه السلام) غير واحد تختلف أسماءهم عن اسم علي، وقد اتفق المؤرخون على تسمية ثلاثة منهم باسم علي.

ولقد نقل  العلامة المجلسي في بحار الأنوار عن كشف الغمة قَالَ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ طَلْحَةَ كَانَ لَهُ مِنَ الْأَوْلَادِ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ عَشَرَةٌ سِتَّةُ ذُكُورٍ وَأَرْبَعُ إِنَاثٍ فَالذَّكَرُ عَلِيٌّ الْأَكْبَرُ وَعَلِيٌّ الْأَوْسَطُ وَهُوَ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ وَعَلِيٌّ الْأَصْغَرُ وَمُحَمَّدٌ وَعَبْدُ اللَّهِ وَجَعْفَر، ج45، ص331.

وهو القول المشهور، مع وجود من ذكر أسماء أكثر من ذلك في مصادر شتّى، إلا أن المقطوع به أن اسم محمد وعبد الله وجعفر، هي أسماء مغايرة لاسم علي.

وإننا لا نملك إجابة نصّية في ذلك، إلا أننا نعرض محتملات في ذلك:

الاحتمال الأول: أن يكون ذلك في سياق التحدّي، فإذا زال واقع التحدّي يمكن أن يتغيّر القرار، على الأخص أن بغض الإمام علي (عليه السلام) في ذلك الزمن كان أمراً يعمل عليه الأعداء، وكان اسمه الشريف يعتبر تحدّياً مقابل ذلك البغض الدفين.

الاحتمال الثاني: أن تكون تلك رغبة الإمام الحسين (عليه السلام) فيما إذا كان هو الذي يختار الاسم، ولعله اختار لثلاثة من الأولاد أسماءهم فأسماهم جميعاً بعلي، وأما البقية فتكون أسماءهم من اختيار أمهاتهم ولذلك اختلفت الأسماء.

وعلى الأول والثاني، فإن قول الإمام (لو ولد لي مائة لأحبب ألّا أسمي أحداً منهم إلا علياً) يكون جواباً من الإمام (عليه السلام) للتعبير عن الإمكان لا عن الوقوع، فإنه لا ضير في تسمية كل الأبناء بعلي لولا الموانع والعوارض.

وقد نقل في المناقب عن كتاب النسب في التعبير عن هذا الواقع:

عن يَحْيَى بْنِ الْحَسَنِ‏، قَالَ يَزِيدُ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام): وَا عَجَبَا لِأَبِيكَ سَمَّى عَلِيّاً وَعَلِيّاً. فَقَالَ (عليه السلام): إِنَّ أَبِي أَحَبَ‏ أَبَاهُ‏ فَسَمَّى‏ بِاسْمِهِ مِرَارا. ج4، ص173.

وبهذه التسمة مراراً  في الثلاثة، تحقق ما يصبوا له الإمام سلام الله عليه.

الاحتمال الثالث: أنه من السائغ أن يكون للولد أكثر من اسم، فيكون اسم علي هو الاسم الأول والحقيقي لهم جميعاً، ولكن الأسماء المختلفة هي الأسماء الظاهرة للناس وهو اسم ثان، وهذا يُعهد عند بعض العوائل، وهذا ما يتكئ عليه القول بأن للإمام الحسين (عليه السلام) طفل واحد كان شهيداً في كربلاء وهو عبد الله، وهو نفسه علي الأصغر. (مع أن الاحتمال الأكبر أن يكونا شهيدين مختلفين).

الاحتمال الرابع: أن تكون التسمية باسم علي في بداية السبعة أيام لبقية الأولاد التي اختلفت أسماءهم، ثم جرى عليهم التغيير، فيصدق عليهم أنه اسمى كافة أولاده باسم علي، وهذه السنّة كان يسلكها أهل البيت (عليهم السلام) كما ذكر الإمام الصادق (عليه السلام) في تسمية أولادهم باسم محمد في أول سبعة أيام، ففي الكافي روى الكليني:

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: لَا يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ إِلَّا سَمَّيْنَاهُ مُحَمَّداً، فَإِذَا مَضَى لَنَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ فَإِنْ شِئْنَا غَيَّرْنَا وَإِنْ شِئْنَا تَرَكْنَا. ج6، ص18.

والله أعلم بحقائق الأمور.

السيد محمود الموسوي

محرم الحرام 1444 للهجرة

من مؤلفاتنا