إذا خلقنا للعبادة!!  ولكن؟ أليس الله بغني عن العالمين؟

ما هو المعنى من الحياة؟ وكيف نحقق ما خلقنا الله جل جلاله من اجله؟

منهاج للتفكير،، منهاجا للحياة هو ضالتي

شكرا لسعة صدركم،،

أم.ج

ــــــــــــــــــــــ

الإجابة :

 

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا محمد وآله الطاهرين..

تحديد مرحلة السؤال

قبل الاجابة على التساؤل في الغاية من الخلق، ينبغي أن نشير إلى حقيق مهمة جداً، تتصل بمنهج التفكير، وهي أن التساؤلات التي ترد على عقولنا، لابد أن تأخذ في اعتبارها الحقائق السابقة التي آمنت بها، ومن ثم تؤسس عليها بقية الاجابات، أي تحديد مرحلة هذا التساؤل.

وذلك:

1/ لكي يتقدم الإنسان إلى الأمام عندما يحصل على الإجابات الوافية.

2/ لكي لا يهدم ما وصل إليه قبل ذلك، إن لم يحصل على اجاباته الوافية.

وبذلك يبقى باحاثاً لكي يسد (النقص) عبر التساؤل الجديد.

سؤال الغاية من الخلق

ويبقى موضوع التساؤل، وهو ما الغاية من الخلق، موضوعاً مهماً من جهة أن الإنسان يحصل من خلاله على معرفة واضحة بمسيرته، لكي يسعى للوصول إلى الهدف المبتغى والمراد إليه من قبل الله تعالى.

أي أن الهدف من معرفة الاجابة هو (التسليم) لله تعالى، لا الشك فيه.

فإن الأساس الذي يمكن أن نؤسس عليه هذا التساؤل هو:

1/ معرفتنا السالفة (بالخالق) لأن لكل مخلوق خالق بالضرورة.

2/ معرفتنا (بالتوحيد) عبر معرفة نظام الخلق وتناسقه.

3/ ومعرفتنا (بصفات الله) الكمالية التي اكتشفناها من خلال خلقه في حكمته وعلمه، واكتشفنا من خلال جزئيات الخلق أن لكل عضو غاية ومهمة (كما هي أعضاء الإنسان في جسمه).. فهذا النظام الذي جرى على الأجزاء إنما يجري على أساس الخلق..

فأصل فكرة (الغاية) من الخلق هي متحققة عند الله، ونحن نؤمن بأن الله تعالى إنما خلقنا لغاية سامية، وعلينا أن نبحث عنها لكي نتزود، ونسد النقص.

فهناك فرق بين تساؤلين:

الأول: هل هناك غاية إلهية من الخلق؟

الثاني: ماهي الغاية من الخلق؟

فالإجابة عن التساؤل الأول متحققة، من خلال إيماننا بالله تعالى وحكمته وعلمه، ويبقى أن نصل إلى معرفة تلك الغاية..

عبر هذا المنهج فإن السؤال هو مفتاح للمزيد من الحقائق، كما في الحديث (العلم خزائن ومفاتيحه السؤال)، فالتدرج في التساؤل ومعرفة أي سؤال قبل أي سؤال، مسألة مهمة.

لذلك فإن رسول الله (ص) في حواراته مع المشركين كان يعتمد هذا المنهج، أي ينطلق من الأسس الاعتقادية التي ثبتت من قبل، ليؤسس عليها الحق.. وهذه هي الكلمة السواء..

قال تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران : 64]

فالإيمان بالله تعالى والثقة بحكمته تحفزنا للبحث عن الغاية من الخلق، لكي يكون سعينا ببصيرة تامة، ولأن عبادة العارف أفضل من عبادة العابد بسبعين مرة، أي أن العبادة المقرونة بالمعرفة لها مقاماتها الخاصة في الآخرة.

ماهي الغاية من الخلق؟

من خلال قوله تعالى:

(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ) [الذاريات : 57]

نعرف أن (العبادة) هي غاية الخلق، ولكن هل بمعنى أن الهدف هو أن يمارس الإنسان عبادات معينة؟ أو أن هناك معنى وراء ذلك؟.

قبل الاجابة على ذلك نجد من جهة ثانية هنالك إشارات عديدة في القرآن الكريم إلى غايات أخرى لخلق الإنسان، ومنها الحصول على (الرحمة) في قوله تعالى:  (إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) هود 119

كما نجد غاية الإبتلاء والامتحان، في قوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك : 2]

ولكن هذه الغايات المتعددة ليست من قبيل (العلة) التي هي سبب الخلق، إنما هي أهداف وغايات جعلها الله تعالى لكي يسعى الإنسان نحو تحقيقها، فإن الله حدد للإنسان (هدفا) ولم تجبره علة على خلق الخلق، لذلك جاء في الآية التي تحدثت عن غاية العبادة قول الله تعالى: (مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ)، أي أن الله ليس محتاجاً للخلق إنما الحاجة هي للإنسان نفسه..

لذلك علينا أن نسعى لفهم الغايات لكي نحصل على ما أراد الله تعالى لنا عبر السعي، قال تعالى:

(وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ). [العنكبوت : 6]

فالعبادة التي هي غاية الخلق إنما تحقق هذا الهدف وتدعم الإنسان لكي يسير بهذا الاتجاه،..

فمعنى العبادة (صلاح الشيء بحيث يكون مهيأ للإستفادة، أو بتعبير آخر: عدم وجود ما يمنع الانتفاع منه، ولذلك قيل سفينة معبدة، وإنما سمي الطريق معبداً لأنه خال من الثغرات والعثرات.. وإنما سمي الرقيق عبداً لأنه لا يمتنع عن طاعة مولاه، وهكذا يكون أصل الكلمة الطاعة والتسليم). تفسيرمن هدى القرآن ج9ص 434

فالعبادة وهي التسليم لأمر الله تعالى، تقود بدورها الإنسان إلى نيل رحمة الله، وهي الغاية الأخرى التي ذكرها القرآن الكريم، فإن الله خلق الخلق لكي يرحمهم، فجعل طاعته طريقاً لنيل تلك الرحمة، وجعل (الإبتلاء) سنة يمحّص بها معدن الإنسان في طريقه في الحياة.

وبمعنى آخر: إن الغاية من الخلق والتي هي لأنفسنا، هي تكامل الإنسان في السير نحو رحمة الله تعالى عبر عبادتة والتسليم إليه.

لعل الخطأ الذي يقع فيه البعض أنه يفكر في البحث عن إجابة لتساؤل (الغاية من الخلق) من جنس البحث عن (العلة) التي دعت الله تعالى للخلق، وهذا تساؤل خاطئ من الأساس، لأن الله تعالى: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء : 23]

لأن هذا التساؤل هو في تراتبية متأخرة عن (الإيمان بالخالق) وعن (التوحيد)، وعن (معرفة الله) التي يؤسس عليها معرفة (الغاية من الخلق).

فنحن قد آمنا بالله تعالى وبأنه خلقنا لغاية، يبقى أن نتساءل عنها لنتكامل وترتقي من خلالها..

وهنا بصيرة مهمة للحديث عن الغاية من الخلق، واردة عن الإمام الحسين (ع) حيث يقول:

(أيها الناس إن الله جل ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه. فقال له رجل: يا ابن رسول الله، بأبي أنت وأمي، فما معرفة الله؟ قال (ع): معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته).

محمود الموسوي

من مؤلفاتنا