العودة إلى الغدير

gadeerالعودة إلى الغدير

 

(1)

        لا يمكن للإنسان أن ينسلخ من عقيدته التي ورثها بالعلم والبصيرة والبرهان، ولا شك أن كل صاحب عقيدة معتقداً أنها تشكل الخلاص للبشرية في دنياها والفلاح في أخراها، سيسعى نحو الدعوة لها وتبليغ الآخرين بها كي يلتحقوا بركب النور الذي هو ملتحق به.

.

(2)

        ولا شك أيضاً أن الآليات المستخدمة هي آليات الحوار والبرهان،حيث أن الفطرة البشرية فطرت على أن لكل حق حقيقة ولكل صواب نوراً يدل عليه، ولهذا جاء القرآن الكريم بالبراهين وجعلها آية من آيات صدق الإنسان وثبات رأيه وعقيدته فقال: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).

(3)

        وقد جاءت حادثة الغدير كمفصل تاريخي من مفاصل تحديد العقيدة الصادقة، عبر تحديد مسار الإنسان بتعيين قيادته وإمامه الذي عليه أن ينتهج نهجه ويقتفي أثره، فالغدير حادثة عقيدية وبرهانية واضحة الدلالة على إمامة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وتنصيبه خليفة على المسلمين كافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد اختلف في تأويلها وتفسيرها كي تلوى الحقائق عن مسارها الصحيح، بل وعمد بعض على إخفائها وتجاهلها، أو شطبها من الكتب كي لا تثير تساؤلاً لدى عامة الناس فينكشف الحق وتظهر الحقائق المغيّبة.

(4)

        وحادثة الغدير كمفصل تاريخي عقدي لا يمكن تجاهله، بل لابد أن تكون لها المحورية في المحاورات العقيدية، وعدم تخطيها وتعديتها عبر محاولات التأويل التبرعية، بل ينبغي الوقوف عندها وإبرازها كبرهان صادق على حق إمامة وخلافة الإمام علي (عليه السلام)، وجعلها كمحور للتباحث، بل ومعول لهدم كافة النظريات الأخرى في هذا المجال، لأن الغدير أراد لها النبي (صلى الله عليه وآله) أن تكون شاهداً على الأمة، وأن تخطيها هو تجاوز لخطة النبي (صلى الله عليه وآله) واستهانة بمواقفه وعبقرية إدارته.

(5)

        ومن هنا فإن من الخطأ التاريخي في مجال المحاورات العقيدية والتبليغ لنهج أهل البيت (عليهم السلام) أن يتخطّى العلماء والمثقفون هذه الحادثة الغديرية، وينتقلون إلى بحوث ليست على المنهاج السليم، ولا تضيئ للآخر الدرب بل قد تزيده عناداً وتأخذه العزة بالضلالة عندما يلتهي بها، ومن تلك البحوث انحراف المحاورات إلى الجزئيات العقيدية والتي تؤخذ من الأصول الإعتقادية، أو التوجه إلى المحاورات في الفقهيات التي تستقي من المنبع العقيدين، فليس من الصحيح أن تبحث بحوث كأسلوب الصلاة أو كيفية أداء بعض المناسك أو الشعائر، لأن كل ذلك يتحدّد عبر تحديد نوع العقيدة، وليس من الصحيح أن تبحث بحوث الرجعة والشاب الأمرد وكيفية النظر للقرآن، لأن تلك بحوث عقيدية لها أصول اعتقادية أكبر تتضح بوضوحها أولاً.

(6)

        إن تصحيح المسار في المحاورات العقيدية يقتضي العودة إلى الغدير واتخاذه محوراً، وإلزام الآخر بالتفكّر فيه والبحث عن إجابات واضحة تفسر تنصيب الإمام علي (ع) من قبل النبي (ص) خليفة على المسلمين، ودلالات ذلك التعيين، وما يترتب عليه من تصحيح مسار الإعتقادات الخاطئة.

(7)

        عندما كان العلماء الأعلام يحملون على أكتافهم فكر الغدير، ويجابهون كل التحديات الفكرية بحادثة الغدير، كانت الغلبة للحق واضحة، برغم قلة الإمكانات، وقد كان الحكام في مختلف البلاد يخشون ذكر الغدير، فيمنعون الكتاب الذي يتحدث عنه، ويكمّمون كل صوت يحاول أن يظهر في الإعلام معبراً عنه، ولذلك كان الفكر الولائي ينتشر كالنار في الهشيم في كل أرض يطؤها، وكان يتسرّب نور الحق لكل من يلقي السمع بأقل جهد.

(8)

        في راهننا وبعد أن نجح المخالفون الخائفون من الغدير ودلالاته، في إلهاء الكثير من الدعاة عن الغدير، وشغلوهم بالهامشيات أو بالفرعيات التي تتكأ على تحديد العقيدة الصحيحة، أصبح الحق أقل انتشاراً نسبة إلى توفر الإعلام والإمكانات، فلو أن كل الإمكانات والأدوات الإعلامية صحّحت مسارها وقرّرت العودة إلى الغدير كمحور تحدي، سنرى النتائج العجيبة، ونرى الحق له شعلة من نور في كل بيت مهما ترامت الأطراف وتباعدت.

(9)

        إن حادثة الغدير لم تكن حادثة عرضية في تاريخ المسلمين، بل أن الغدير كانت حادثة خطط لها أعظم مخلوق على وجه الأرض، بأمر من الله تعالى، لتكون حجة على الخلائق إلى يوم الدين.

(10)

        إن الغدير هو الطريق المختصر إلى الحق.

 

السيد محمود الموسوي

من مؤلفاتنا